جبريل إبراهيم .. فقدان الممرات الآمنة والملاذات الظليلة!

  
I

لعلها لعنة اغتيال (محمد بشر) ورفاقه الذين أعدمتهم حركة جبريل إبراهيم بدم بارد، وبروح انتقام غير معهودة بين السودانيين لمجرد اختلافهم معهم فى الرؤى وتفضيلهم للطريق السلمي على الحرب التى لم يحصدوا منها لا ماضياً ولا حاضراً "شروي نقير".
فما بين اغتيال بشر ورفاقه وبين تزلزل الأرض على الثورية -التى لجبريل وحركته- أسهماً إسمية فيها تجلت النهايات المحزنة، وتمثلت فى صعود روح الثورية من علياء أبو كرشولا الى سفوح وحضيض الهزيمة النكراء والتراجع الأبدي فى التكتيك والحرب والسياسة.
إنقضت فى أبو كرشولا أسطورة الثورية التى لا تهزم، فقد أخذ العجب كل من جبريل إبراهيم وعقار ومناوي وعرمان والحلو بجبهتهم القادرة على الوصول الى المركز.
وإن كانت لجبريل من حظوظ سياسية -رغم سوء حظه الراهن- فهي أنه طالب برئاسة الثورية قبل الهجوم على أساس أن الرئاسة دورية، ولكن عقار والحلو زجراه فإزدجر الرجل ولم يكن له إلا أن يفعل فهو (ممقوت) من قبل الثلاثي المعروف (عقار وعرمان والحلو) لأنه (إسلامي سابق) إذا جازت التسمية، وهو وإن كان مثلهم (خالي الوفاض) من الخبرة العسكرية بدليل انشقاق القادة العسكريين أمثال (دبجو) و (محمد بشر) الذين يعتبروا خيرة قادة الحركة العسكريين إلا أنه أكثرهم سطحية فى فهم الخطط وقيادة المعارك.
وفى الغالب فإن (الفاشلين) لا يختلفون على فهم قدرات بعضهم ولهذا منعوه عقال القيادة ولم تشفع كل رجاءاته وتوسلاته فى منحه الفرصة، فقد عايره عقار –بعباراته الصخرية الداوية– بأنه فرط فى حماية قائده الراحل خليل، وفرط فى انشقاق قادته الميدانيين وفشل فى إحداث أي اختراق على الميدان فى دارفور فكيف يسلمونه الثورية بعتادها الفخيم الغالي الثمن؟
إهانة كانت لو وُزعت على كافة قادة الحركات الدارفورية المسلحة لفاضت عن إحتمالهم ولكن جبريل إبراهيم الفاقد للسند، المجهول الأبوين السياسيين، فضل السكوت وآثر السلامة!
فى ذات المنحى فإن جبريل –بمشورة من تبقى حوله من قادة– تفتق ذهنه عن قيادة عملية (مستقلة) لصالح حركته وحدها فى دارفور وبالفعل شرع الرجل فى (مشروعه الخاص) ولكن كانت الورطة التى وجد نفسه فيها أن الجيش السوداني (على علم ورصد) بكل تحركاته. وفى الحسابات العسكرية فإن أيّ قوات تزمع مهاجمة منطقة، وتكتشف أنها (مرصودة) أو أن هنالك من يتابع تحركاتها وهو مستعد للانقضاض تعتبر قد انهزمت عملياً فهي أمام أمرين: إما أن تستدير وتواجه عدوها – وهذه بالنسبة لها بمثابة (انتحار داوي) – وإما أن تمضي قدماً فى مشروعها وتفقد عنصر المفاجأة وتجرب حظها! وفى الحالين، فإن الهزيمة مؤكد ة لا محالة.
جبريل إبراهيم الآن بحسب متابعات (سفاري) هائم في (منطقة ما) يترقب، فقد وردته أنباء هزيمة الثورية فى أبو كرشولا ومعها أنباء بالنسبة له شخصياً غير سارة لأن غالب من قضوا نحبهم هناك من قواته. وبالمقابل فإنه لا يستطيع البقاء ساكناً فى مكانه لأنه دون شك سوف يتعرض لعمليات تعرُّض من جانب الجيش السوداني سوف تقضي على ما تبقى فى يده، ولو أفلت رقبته من حبل الجيش السوداني المحكم الوثاق، فإنه لا يفلت من طالبي دم محمد بشر ورفاقه الذين وضعوا (خططاً محكمة) للإقتصاص لرفاقهم المغدورين.
هكذا دائماً هي نهايات التمرد الغير قائم على مصداقية سياسية. التمرد القائم على الطموح الشخصي فى الوصول الى السلطة عن طريق احتلال المدن وكسر ظهر الجيش السوداني. التمرد الذى يتتبع (الطريقة الإفريقية الكلاسيكية) فى الدوران حول المركز ثم الانقضاض عليه، ففي مخيلة جبريل ورفاقه فى الثورية، أن من السهل قطع الأميال الطويلة بالسيارات المحملة بالبنادق والوثوب على السلطة، ويا لها من سذاجة وجهل بالجغرافيا وطبوغرافيا الأرض السياسية والتاريخ السوداني حاضراً وماضياً.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة