الثورية.. قطيع الذئاب الليليّ الذي هزمه النهار!

أسوأ ما أخطأت فيه قوى الثورية أنها حولت ميدان الحرب من مجرد ميدان رماية يومي معتاد الى ميدان بمساحة السودان كله، بحيث تلاشت تماماً المقارنة ما بين الطرفين. طرف تجاوز منطق إدعاء المظالم والتهميش ليلج ساحة المؤامرات الدولية حين تكون المؤامرة تستهدف الاثنين، المتمرد والوطن؛ وطرف يحاول الحفاظ -بالأسنان والأظافر- على أرض اتسعت للجميع وما يزال بإمكانها أن تتسع أكثر. ولهذا فإن المواجهة التى جرت وتلك التى تجري ليست هي مجرد مواجهة لإطفاء حريق، أو إغلاق باب فتنة وإنما هي مواجهة لإصلاح البيئة السودانية وتنظيفها من أوشاب إدعاء المظالم وحمل السلاح، والجلوس الى الموائد لاقتسام ما تيسر من كعكة السلطة وكيكة الثروة وإدخال البلهاء الى وظائف مجانية بلا مؤهلات. لقد أيقظت الثورية السودانيين من غفلة (حسن النية) وعبارة الطيبة التى تدعو للمباركة والعفو عما سلف. هنالك قضايا فى كل أقاليم السودان هذه حقيقة بديهية معروفة. الفارق الوحيد أن هنالك من يعرفون قدر بلادهم وأولوياته ويمسكون بحبال الصبر. ففي الولاية الشمالية هناك حاجات لخدمات وحاجات أساسية وحتى فى وسط السودان فى عمق الجزيرة هنالك مشاكل تنمية موروثة وقديمة، بل إن الخرطوم نفسها ليست تلك العاصمة الوديعة التى كل شيء فيها متاح.هذه أقدار الدول التى صنع فيها الاستعمار ما صنع من المكائد والدسائس والمؤامرات حتى لا ينهض شعب فيصبح مخيفاً ولقد رأينا كيف تصرفوا مع العراق حين نهض واشتد عوده وأصبح مارداً مهاباً. هنالك دائماً تربصاً بمن يحلم بالمستقبل الأخضر الوافر والنهضة الحضارية المحمية بالعقيدة والإيمان بالوطن؛ هذه حتميات التاريخ وحقائقه التى يصعب إنكارها. المشكلة التى لم يعيها من يقودون الثورية ومن مضى فى ركابهم هنا فى الداخل من أحزاب الإجماع (غير الوطني) أنهم صدقوا زيف الدعم الأجنبي وأن العدو اللدود لكليهما هو النظام القائم.كل هذا الحراك وكل هذه المؤامرات والبسطاء من قادة هذه القوى يعتقدون أنها (معاونة) ومجرد مساعدة لتغيير نظام الحكم! ولهذا فإن قادة أحزاب بهذا الفهم الأقل من المعدل من المستحيل أن يمنحهم المواطن والناخب السوداني في أي سانحة انتخابية مقبلة صوته، لسبب بسيط، هو أذكى منهم فهو وقف مع جيشه وقواته ضد عمل عسكري بربري من السذاجة أن يكون هدفه نبيلاً وأن غاية ما يتمناه هو أن يصلح ويرتب ويشيع الحريات والديمقراطية. ما درى قادة الأحزاب السياسية أن من يدخل فاتحاً الى العاصمة بعد أن يستبيحها لن يكون رسولاً للديمقراطية والحرية بحال من الأحوال . ليس من شأن من أثقلت كتفيه البندقية الصماء العمياء أن يفهم فى التعددية السياسية وإشاعة المناخ الديمقراطي، هذه بديهية تجاوزها المواطن السوداني البسيط الأمي منذ عقود ولم تتجاوزها أحزاب سياسية كما الشياه التى تصادف الذئاب وتمشي خلف القطيع دون أن تفكر كيف سيكون موقفها حين تحين إلتفاتة من القطيع الجائع ذات يوم؟لن تكون هزيمة الثورية ودحرها مجرد هزيمة عسكرية أو خسارة معركة ولكنها ستكون نهاية قاصمة لمن استمرءوا حمل السلاح لشتى الأغراض حتى من يحلم بالوزارة غير المستحقة وحتى من يحلم مجرد الحلم بأن يصبح ضمن من يلبسون ربطة العنق الأنيقة والأحذية المصقولة والسيارات الفارهة ومن المؤكد أن الحرب إنما هي حرب من أجل استعادة هيبة الوطن وليس هيبة السلطة، ولكن عبث به عابثون لا يساوون حتى أمام أنفسهم جناح بعوضة ولكنهم راهنوا على أريحية سودانية، تحب وتقدس المجلس والصلح والمواساة.لقد أيقن كل سوداني بعد الآن أن فتح المجال لحملة السلاح ليفرضوا رؤاهم بالقوة -وهم حفنة- فى مواجهة ملايين الشرفاء الصابرين، الكادحين الذين يبحثون عن المستقبل إنما هو من ضروب المستحيل فالهزيمة هنا مزدوجة؛ هزيمة الذين ارتبكوا جرائم ضد بني جلدتهم كيداً وتشفياً؛ وهزيمة شيء ماكر، وزائف إسمه التهميش الدافع الى التمرد وحمل السلاح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة