كيري يكشف بإيجاز خطة تقسيم السودان!

لم يكن تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن الحرب الدائرة فى جنوب كردفان ووصفه لها بأنها دينية أمراً منطقياً. وهذا شيء مفروغ منه وربما كان الوزير -وهو يدلي بهذا التصريح البالغ الغرابة- يعلم في قرارة نفسه انه لا يعني شيئاً مما يقول!
ولكن بالمقابل فإن الرجل وبهذا التصريح الموجز، أوجز طبيعة نظرة واشنطن ورؤاها حيال ما يدور فى السودان وربما قصد الرجل التمهيد لعمل استراتيجي أمريكي مهول فى السودان فى المرحلة المقبلة خاصة إذا ما قرنّا تصريحه هذا بنقل السيدة رايس من نيويورك الى البيت الأبيض مستشارة للأمن القومي.
عبارة حرب دينية دون شك عبارة تجد حساسية بالغة فى الأذن الأمريكي وجماعات الضغط والسود بصفة خاصة، ثم على نطاق الدول الأوربية وبقية دول العالم بصفة عامة.
ولا حاجة لنا بطبيعة الحال لتنفيد تصريحات كيري هذه والرد عليها إذ يكفي فقط أن نشير الى أن قادة الثورية (عرمان والحلو عقار) وهم فى ذات الوقت قادة قطاع الشمال مضافاً إليهم قادة الحركات الدارفورية المسلحة جميعهم يعتنقون الديانة الإسلامية وليس من بينهم غير المسلم.
وبالطبع لا يمكن لعاقل أن يتصور أن يقوم قادة مسلمين بشنّ حرب (دينية) ضد بلد بأكمله فيه مسلمين وغير مسلمين، يقاتلونهم فقط من أجل الانتصار لغير المسلمين!
كما لا يتصور عقلاً –مع إفتراض وجود غير المسلمين فى جنوب كردفان– أن يكون هؤلاء القادة الذين يشنون الحرب وكلاء عن أهل جنوب كردفان غير المسلمين! وحتى ولو تصورنا ذلك فكيف يمكن إطلاق صفة حرب دينية على حرب كهذه؟ بل إن الأغرب من كل ذلك أنه حتى الحرب التى كانت تشنّها الحركة الشعبية بقيادة قائدها الراحل قرنق لم تصنف بأنها دينية بدليل أن قرنق نفسه – وعلى طريقته الخاصة – استقطب بعض غير الجنوبيين المنتمين إلى الديانة الإسلامية من شمال السودان أمثال عرمان والحلو وتلفون كوكو وعقار فى حركته! ذلك على الرغم من أن الجميع كان ولا يزال يقرّ بوجود تباين واضح بين شمال السودان وجنوبه ثقافياً وإثنياً.
إن هدف ما قاله كيري يتمثل في مؤشرات عدة خطيرة. أولها نية واشنطن إعادة تدوير الأزمة السودانية لاستخلاص جنوب سوداني جديد تمهيداً لفصله.
هذه النقطة جوهرية وإستراتيجية لم يعد فيها أدنى شك، فالهزائم التى توالت على الثورية رغم الدعم الجنوبي والأمريكي المتواصل وشدة صلابة الدولة السودانية رغم كل هذه المحاولات جعلت واشنطن تعود الى الخطة (ب) لتبدأ بحديث عن الحساسية الدينية وضرورة تقرير مصير الأقاليم السودانية وهي حلقة فى مسلسل لتقسيم السودان وتقطيعه إرباً.
ثانيهما أن واشنطن بدأت بتهيئة الرأي العام العالمي فيما تعتزم القيام به فى السودان، من عمليات عسكرية إرباكية وهجمات متواصلة لإنهاكه عسكرياً وإقتصادياً ليصبح سهل التقطيع عقب كسر عظامه.
ليس الهدف هنا إسقاط الحكومة السودانية فحسب ولا لأنّ الحكومة السودانية تقودها نخبة إسلامية، الهدف هو استغلال الطابع الأيدلوجي للسلطة الحاكمة – عبر تأجيج عاطفة دينية – لتدمير الدولة السودانية نفسها وتفكيكها لأقاليم ولهذا تبرع واشنطن فى لعبة التلويح بالعصا والجزرة مع الخرطوم، وتتظاهر أحياناً بضجرها من المتمردين وتحثهم على التفاوض، وتدعو جوبا فى أحيان أخرى بترك دعمها للمتمردين.
وهكذا سلسلة من العمليات الإرباكية المحسوبة بغية كسر عظم الدولة السودانية طالما تسنّى وبسهوله نزع إقليم كبير منها وهو الجنوب؛ فلِمَ لا تجري تجربة نزع أقاليم أخرى بطريقة أخرى مبتكرة؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة