ليس هناك من هو أتعس من هذين الرجلين!

نصر الدين الهادي المهدي، القيادي البارز فى حزب الأمة القومي والقيادي (الرديف) فى الثورية وبجانبه التوم هجو، القيادي (غير البارز)، لا في الاتحادي الديمقراطي ولا في الثورية؛ هما الأكثر تعاسة الآن من غيرهما جراء الأحداث الهائلة التى شهدتها مناطق جنوب وشمال كردفان .
فبالنسبة لنصر الدين الذي يثير إسمه الدهشة وآلاف علامات التعجب، فإن الرجل ساهم (من مقعد صغير خلفي) فى التخطيط لحلمة ضرب شمال كردفان واحتلال أبو كرشولا. ونصر الدين وفى إطار ما سمح له الحلو وعقار وعرمان، أعطى رأياً عسكرياً فى مسار الهجوم وأهدافه وساهم في إعداد قوائم الإعدام والاغتيال مساهمة يدمي لها القلب.
وهو فعل ذلك -للأسف الشديد- وفى اعتقاده أنها (حملة الخلاص) وأنها الطوفان الذي سوف يجرف السلطة الحاكمة ويفتح الطريق الى الخرطوم حيث يدخل الرجل بمعية قادته فى الثورية -فى ذات المقعد الخلفي الصغير- ليقول إنه فى النهاية حقق الهدف، وقطف ثمار سنوات كلفته منصبه فى الحزب وسخط أسرته فى بيت المهدي، ولعنات ذويه من الأنصار.
كانت أولى فجائع نصر الدين التى ما يزال قلبه يؤلمه عليها ألماً ما له من دواء؛ أن قادة الحملة العسكرية الصماء انتاشوا أول ما انتاشوا فى أبو كرشولا قادة ومسنين كبار من الأنصار!
لعلع الرصاص ضاحكاً مستهزئاً من  نصر الدين الهادي وهو يخترق صدور رجال يعرفون قدر الإمام الهادي وزاملوه وبايعوه وأكلوا معه فى قصعة واحدة، رجال تجاوزا فى العمر السبعين والثمانين كانوا ما يزالون يجدون العذر لإبن الإمام الهادي كونه وضع يده وتاريخ أبيه على أيدي موتورين يكرهون الدين ويناصبون حملة القرآن العداء.
لقد كانت أولى أرتال الضحايا فى الموجة الأولى من أنصار الإمام الهادي فى أبو كرشولا ونصر الدين لم يكن ليجرؤ على أن يقول لا؛ أو أن يذرف دمعاً، أو أن يحول بينهم وبين رصاصات قادته السوداء الغادرة. ولربما كان بإمكان الرجل تجاوز الكارثة التاريخية لو أن الحملة العسكرية التى تولى فيها موقع (قائد ثاني) نجحت فى خططها وفتحت الخرطوم وأصبح الرجل ضمن الحاكمين!
ربما عزّى نفسه يومها، ووجد قلبه الصخريّ ألف عذر، ولكن لا الحملة نجحت فى مسعاها، ولا الأنصار غفروا لنصر الدين جريرته وجريمته الداكنة القذرة. وإلى حين انجلاء مصير الرجل وقد أثقل ظهره بهذا الدين الثقيل والكلفة السياسية الباهظة، وإلى حين إدراك الرجل –حتى بعد فوات كل هذا الأوان– أنه (مقصود) من قبل الثورية وأن أهله وبني جلدته وعشيرته مقصودين وبمثابة أهداف مشروعة وإنَّ ضمه الى الثورية لم يكن سوى لإضفاء شرعية سياسية ودينية لهجماتها الموتورة.. الى حين ذلك فإننا ننتقل الى تعيس آخر من تعساء السياسة السودانية حين تتركز ذهنية السياسة فى (إيمان عجيب) بدين سياسي يحلل دماء الأبرياء والمدنيين تحليلاً كاملاً ويحلل نصب المشانق فى العراء و تحت الأشجار ويفصل الدين تماماً عن السياسة، ويفرِّق بين رصاصات النضال الثوري، والرصاصات التى يُختار لها بعناية صدور اليافعين والعجزة وكبارا لسن والنساء.
ذلك هو التوم هجو. رجل من فرط سذاجته وتكوينه السياسي وبساطته الحزبية ترسم له (خطط عسكرية دامية)، وطوفان من الدماء هادر يتبدّى بين سطورها فيوافق عليها بوضع إمضاؤه فى ذيلها ويتمتم فى محاولة لطمأنة قلبه (هي تضحية من أجل المستقبل)! ثم يكتشف لاحقاً -وهو يغرق في دماء أهله- ان قادة الثورية تجاوزوا كل الحدود، وقتلوا –بإمضائه– العشرات من الأبرياء، فلا يتقطر دمعه، ولا يطرف له جفن!
رجل مثل التوم هجو يصلي –بخشوع– فى حضرة زعيمه الميرغني ويردد معه الدعاء، ويستحلّ مع كل ذلك يوم أن ذهب (مناضلاً) دماء الأبرياء فى كردفان محطماً كل ما تبقى من معاقل لحزبه، حتى تصل قطرات الدماء أو تكاد الى جنينة الميرغني الوديعة الهادئة فى ضاحية الخرطوم بحري ليبكي الآلاف من مريدي زعيم الختمية على ما اقترفته أيدي رجل منهم أكل معهم وصلى معهم وذكر معهم ثم ولغ فى إناء مليء بالدم الأحمر القاني.
لو كان عقار وعرمان والحلو، الثلاثي المعروف فى الدم و الدمار والعداء فإن تعاستهم أقل بكثير من تعاسة هذين الرجلين، نصر الدين الهادي والتوم هجو!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة