واحدة من أكبر أزمات النخب السودانية المعارضة –لا سيما الذين يحتمون
وراء لافتات سميكة– أنهم يخلطون (كل الأوراق) ويستغلون كل شيء فقط من أجل
إشعار الآخرين أنهم موجودين!
الأسبوع الماضي أخرجت مجموعة صحفيون لحقوق
الإنسان بياناً مطولاً عنونته بـ(الموجّهات الأمنية بعدم نشر تصريحات
مساعد رئيس الجمهورية د. نافع على نافع)! ولعل قبل أن نمعن النظر في سطور
البيان وما حواه من غرائب نقف قليلاً عند العنوان فهو فى حد ذاته (حيلة
ماكرة) ولكنها للأسف الشديد ليست ذكية لجذب إنتباه القارئ!
وهو ما
ينطبق عليه المثل السوداني السائر (الجواب يكفيك عنوانو) وبوسع أي ممارس
للعمل الإعلامي والصحفي أن يضع أصبعه على الفور على موطن الداء فى العنوان.
فهو بمثابة (إثارة صحفية) يمكن أن نقول إنها من الدرجة العاشرة، لأنَّ
واضع العنوان أراد القول إن هنالك (جهة أمنية) تراقب تصريحات كبار
المسئولين السودانيين بما فى ذلك الدكتور نافع نفسه فى إشارة الى وجود (عدة
حكومات وسلطات) داخل الدولة أو على طريقة مصر الناصرية (مراكز قوى)! وهي
إشارة لا تفوت علينا كمراقبين لا شأن لنا بالمعترك السياسي الواسع بقدر ما
أن اهتمامنا ينصبّ على الوطن وعلى القواعد الراسخة (للأمانة الصحفية).
أما
فحوى البيان فقد ظهرت مثالبه من سطوره الأولى، ذلك أن المنظمة الحقوقية
التى تختصر مسمّاها بـ(جهر) لم تستطيع أن (تجهر) بما قاله الدكتور نافع وتم
حجبه عن الصحف. لو كانت المنظمة تحترمنا كصحفيين وتحترم القارئ لأوردت -في
متن البيان- وبأمانة صحفية ما قاله الدكتور نافع أمام المجلس التشريعي
لولاية الخرطوم واستدعى عدم نشره أو حجبه عن الصحف.
هذا من جهة؛ أما من
الجهة الثانية فإن الأمر -حسب ما فهمنا بعد جهد من سطور البيان- فهو يتعلق
بالقوات المسلحة السودانية. ومن الغريب حقاً أن يتحدث (صحفيين وطنيين) عن
حجب (أمور تتعلق بالقوات المسلحة)!
هذه واحدة من أكبر أزمات هذه النخب
التى تجهل أن أخبار الجيوش (فى كل العالم) يتم تداولها ونشرها بحيطة وحذر
وبقدر عالٍ للغاية من الحرص على قداسة هذه المؤسسة الوطنية العريقة.
إفشاء
المعلومات العسكرية –كأمر بديهي– واحدة من الجرائم الكبيرة التى يعاقب
عليها القانون، وبوسع (أصحاب جهر) أن يبحثوا فى الإسفير الواسع وسيجدون
عدداً من ضابط الجيش الأمريكي حُوكِموا بسبب تناول أمور متعلقة بالجيش
الأمريكي لعل آخرها، قضية إغتيال بن لادن. وعلى ذلك لا ندري هل كان مقصد
(جهر) هو أن د. نافع قال فى الجيش قولاً لا يليق ومن ثم تم حجب قوله؟ أم
أنه قال كلاماً عادياً ولكن رغم ذلك تم حجبه؟
البيان -لسبب ما- لم يفصح
عن ما يرمي إليه، فلو كان الافتراض الأول فهو غير صحيح تماماً لأننا
كإعلاميين تابعنا وأعدنا قراءة وسماع ما قاله الدكتور نافع ولا حاجة لنا
(لمن يفسِّر) لنا (بلغة أخرى) معاني ما قاله، فقد كان د. نافع يتحدث بلغة
عربية.
أما لو كان الافتراض الثاني فإن الحجب يصبح بلا معنى . وكما
قلنا فإن خير دليل على أن (كتبة البيان) يهدفون الى هدف ما؛ هو عدم إيرادهم
لما قاله د. نافع حتى يقنِعوا قارئ بيانهم بحجتهم الداحضة!
إن المؤلم فى مثل هذه البيانات أنها أولاً: تصادر عقول القراء وتنسى
تماماً وجود صحفيين مستنيرين بجانب القراء العاديين. وثانياً: تثير (رائحة)
غير محببة وكأنّ الجيش السوداني -بكل قوميته ومجده- يمكن أن يصبح موضعاً
للعبث الصحفي وقِيلَ وقالَ. هذه أمور لا يقترب من أسوارها الذين تجري فى
عروقهم دماء وطنية حقة ولديهم غيرة على جيش بلادهم. ثالثاً: استغل (أصحاب
جهر) السانحة للحديث عن إيقاف صحف سودانية أخرى ولعل فيما يبدو أن كل الهدف
كان هو الحديث عن إيقاف صحف سودانية لم تجد المنظمة المرموقة مدخلاً
مناسباً له سوى استخدام زيّ الجيش السوداني وشرف الجندية فى تسميم عقول
القراء.
وأخيراً فإن (جهر) التى هي عبارة عن اختصار لمنظمة (هيومان
رايتس) النسخة الصحفية ربما أرادت تبرئة جزء من (ذمتها المالية) حيال
الممولين المعروفين فى الخارج فضريت عصفورين بحجر غير سياسي وغير أمين كان
من المحتم أن يتردّ عليها!
تعليقات
إرسال تعليق