السودان ومصر.. حتمية التعاون وإستراتيجية التكتلات الكبيرة!

السودان ومصر.. حتمية التعاون وإستراتيجية التكتلات الكبيرة!

 (هذا يفرض علينا التحدث بصوت واحد من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية التى تواجهنا في السودان ومصر). بهذه العبارة استهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمته في سياق المحادثات التى أجريت ضمن أعمال اللجنة العليا المشتركة بين السودان ومصر التى إنعقدت ظهيرة الخميس 25 اكتوبر 2018م، بالقصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم.

الرئيس السيسي كان يحدث عن أن العالم اليوم لا يعتد إلاّ بالتكتلات الاقتصادية الكبيرة في إشارة إلى ما يمكن ان يحققه السودان ومصر - وهما يمتلكان ما يمتلكان من موارد ضخمة - اذا ما تعاونا استراتيجياً. كان ذلك رداً على كلمة الرئيس البشير وهو يستقبل نظره السيسي والوفد المرافق له ويجريان مباحثات مشتركة، فقد حرص الرئيس البشير ان يؤكد على (التعاون الحتمي) بين الدولتين و (ان العلاقات بين السودان ومصر ليست خياراً وإنما هي (فرض عين))!
ويشير الرئيس البشير إلى انه وإيماناً منه بطبيعة هذه العلاقة الاستراتيجية بين البلدين فقد وقّع على (فك حظر المنتجات المصرية لتدخل السودان). وهو قرار على ما يبدو أوجد ارتياحاً بالغاً لدى الجانب المصري ، فقد تم إيقاف دخول المنتجات المصرية (لحوم وفواكه وخضروات) في سبتمبر 2015 بقرار من وزارة التجارة  السودانية إثر جدل واسع النطاق حول المواصفات في ذلك الحين. ولكن الرئيس البشير أكد فك حظرها لتعود من جديد لتنساب إلى المدن السودانية.
المباحثات في اللجنة العليا المشتركة جرت طوال أكثر من 5 ساعات في القصر الرئاسي في السودان، وكان واضحاً من ضخامة وفد الطرفين ان القضايا والملفات التى تمت دراستها قبل لقاء القمة كانت عديدة وشملت كافة المجالات، ولهذا فان المحادثات جري فيها التوقيع على حوالي 12 اتفاقية او مذكرة تفاهم و برنامجاً تنفيذياً غطت إنشاء مشروعات ربط كهربائي وخطوط سكك حديدية ومذكرات أخرى بشأن التعليم و الهجرة و التنمية والإعلام والمجالات التجارية المختلفة.
الرئيس البشير – من جانبه – تعهد بمتابعة تنفيذ هذه الاتفاقيات و البرامج التنفيذية على كافة الأصعدة وصولاً إلى العلاقة التى ترضي طموح شعبيّ البلدين. تطرقت المباحثات أيضاً إلى بحث آخر تطورات الأوضاع الإقليمية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وقد أشاد الرئيس السيسي على نحو خاص بالجهود التى يبذلها السودان لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في دولة جنوب السودان، مؤكداً دعم مصر الكامل لتلك الجهود، كما تطرق الجانبين إلى العديد من القضايا الإقليمية المهمة والحرص على استمرار التشاور بينهما، خاصة وان مصر سوف تتولى في العام المقبل 2019 رئاسة الاتحاد الافريقي.
و من المؤكد أننا حين نمعن النظر في هذه العلاقات نستشعر: أولا، جدية الطرفين و توفر قدر كبير جداً من الإرادة السياسية والرغبة  الصادقة في تنميتها وتطويرها لكي تفضي إلى إنشاء تكتلات كبيرة ، فالاتفاقات الـ12 الموقعة بين الدولتين بالتأكيد تشمل جوانب اقتصادية إستراتيجية (زراعة، إنتاج حيواني، منتجات ، كهرباء، الخ) وهي قضايا حيوية من شأنها تقوية اقتصاديات الدولتين.
ثانياً، تأكيد الجانبين – في كل مرة – بأنهما عازمان على تحقيق طموحات الشعبين، وهذه في واقع الأمر حقيقة ناصعة إذ أن العلاقة بين الدولتين تشكل الأنموذج في خضوعهما لرغبة الشعبية لان طبيعة الحكومتين مختلفتين، وربما منطلق كل حكومة أبعد ما يكون عن منطق الأخرى، ولكن ولحرص كل حكومة من الحكومتين على خير ورفاه شعبيّ البلدين فان العلاقة لا تتأثر قط بوجود أي منغصات او عقبات ولعل أصدق لدليل على ذلك ان الرئيس البشير لم يتردد في فك حظر المنتجات المصرية على الفور، كما ان السودان لم يتوقف طويلاً حيال نزاع حلايب أو قضايا المعدنين السودانيين، فالمنظار الذي ينظر منه كل طرف لطبيعة العلاقة هو منظار استراتيجي هدفه طموح ورغبة الشعبين لا أكثر ولا اقل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة