الذين يتخوّفون من الانتخابات العامة!

الذين يتخوّفون من الانتخابات العامة!

للأسف الشديد لا تمتلك قوى المعارضة السودانية منطقاً سياسياً سديداً إزاء طريقة تعاطيها مع مجريات الأحداث في السودان، فحين يجري الحديث عن تسوية سياسية أو إتفاقية سلام شاملة، فان هذه القوى سرعان ما تتسابق للمطالبة بـ(تهيئة المناخ) وإطلاق الحريات، ولا يجد بعضها حرجاً في مطالبة الحكومة بتفكيك نفسها!

طريقة قوى المعارضة دائماً تنحو باتجاه (إعداد كل شيء) وتنظيف المكان، ووضع المائدة بكل ما يلذ ويطيب، بل و ضع حتى أكاليل الغاز والورود على مدخل القاعة.


 وعرفة الآن في السودان لمن ينظر إلى الأمور بموضوعية إتساع نطاق الحريات بوجود أحزاب وأنشطة سياسية حزبية مسموح لها قانوناً، وقانون صحافة تصدر بموجبه عشرات الصحف و الإصدارات. إذن ما هي المناقص المطلوبة من اجل (تهيئة المناخ)؟ اذا قلنا الحريات فان الممارسة المستمرة و المثابرة و الحرص على تنشيط هذه الممارسة هي التى ترسخ وتثبت هذه الحريات، ومن ثم يجري تطويرها وتوطيد دعائمها.


وإذا قلنا قضايا حقوق الإنسان فهناك مفوضية وطنية أبوابها مشرعة لتلقي الشكاوي ما فتئت هذه المفوضية الوطنية تنادي ليل نهار وتنبه على المواطنين ان يمارسوا حقوقهم وأن يعرفوا هذه الحقوق وان يتقدموا بشكاواهم إليها في أي انتقاص أو انتهاك لهذه الحقوق!


المفوضية الوطنية مقرها معروف وتلقت بالفعل مئات الشكاوي و فتحت أبوابها لتلقي الشكاوي و إلكترونياً مؤخراً، أليس هذا من قبيل ( تهيئة المناخ) أوليست هذه التطورات حقوقية وتوسيع لنطاق الحريات؟ وما هي أدوار السياسي، أوليس هو استغلال هذه المظلة من أجل الاستفادة من مخزونها في تطوير الممارسة السياسية ومواكبة الحريات؟


أما المنطق الأشد بؤساً في عدم خوض الانتخابات، فان هذه القوى تتخوف من ما تصفها بـ(أساليب النظام) حيال العملية الانتخابية والمؤسف هنا ان قوى المعارضة أهدرت على الأقل عقب اتفاقية نيفاشا 2005 فرصتين لانتخابات (2010- 20159) لو أنها خاضتها على علّاتها وبأي كيفية كانت لربما حازت خبرة سياسية واختبرت جماهيريتها وعرفت أوزانها، بل ربما أصبحت تحت بصر الناخب السوداني الآن؛ إذ لا يمكن لعاقل أن يتصور ان أحزاباً (تاريخية) مثل الأمة القومي والاتحادي او الشيوعي انفصلت عن الحاضر منذ أكثر من 30 عاماً تظل (حاضرة) في نفوس الناخبين الذين كانوا هم قواعدها تاريخاً؛ فأولئك الناخبين القدامى إما أنهم غادروا الحياة بحكم السن وعوامل الفناء الطبيعية أو خرجوا من الساحة السياسية حكم تقدم السن فأين هم جماهير هذه الاحزاب من بين الأجيال الحديثة بعمر 18 إلى 30 سنة؟ حزب لم يشهد له عملاً في الساحة ولا يعرف له كوارد قدمت لهذا البلد ولم يُرَ وهو ويمارس العمل التنفيذي ويحقق نجاحات؟


إن إحجام وعزوف هذه القوى عن خوض الانتخابات العامة لا يعززه أي منطق سياسي على الإطلاق فالذي يخشى دخول الامتحانات لن يحرز شهادة التخرج قط، وسوف تمر عليه السنوات تلو السنوات وهو خارج التاريخ و قديماً قالها الشاعر التونسي المعروف أبو القاسم الشابي:


ومن يخش صعود الجبال  * يعش أبداً بين الحُفر!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة