المعارضة السودانية وشح النقد السياسي!

المعارضة السودانية وشح النقد السياسي!

 سوء استخدام المعارضة السودانية للأوراق السياسية السهلة التى تأتيها على طبق من ذهب فى مواجهة الحكومة السودانية جعل كل هذه الأوراق السياسية الجيدة تتسرب من بين يديها تباعاً بحيث يمكن القول – لمفارقات القدر وسخرياته- ان المعارضة السودانية لم تعد تمتلك أي ورقة صالحة للاستخدام السياسي في مواجهة الحكومة السودانية.


ففي نموج الخاص بالورقة الامريكية مثلا، فقدت المعارضة هذه الورقة من اللحظة التى نجحت فيها الحكومة في إقناع ادارة الرئيس الديمقراطي السابق، باراك أوباما برفع العقوبات الاقتصادية الامريكية أحادية الجانب المفروضة منذ عقدين.
ولو أن قائلاً قال ان الأمر يخص ظروف و ملابسات إدارة اوباما ورؤيتها الخاصة فان قوله هذا مردود عليه بأن ادارة اوباما توصلت الى قناعة برفع العقوبات و انها احالت قناعتها هذه إلى الادارة التى تلتها وهي ادارة الرئيس الجمهوري الحالي ترامب، والتى قررت بعد قراءة الملفات والحيثيات رفع العقوبات، ففي ذلك دليل مادي قوي ان قناعة رفع العقوبات (قناعة استراتيجية مبدئية) توصلت اليها المؤسسات الاستراتيجية الامريكية وليس محض تكتيك او قرار عابر في ادارة اوباما، وهذا يعني بالضرورة ان الولايات المتحدة وليس ادارة الامريكية بعينها باتت بكاملها على قناعة بعدم مشروعية العقوبات و ضرورة تطبيع علاقاتها مع الخرطوم .
بل ان ادارة الرئيس ترامب ورغم كل ما يقال عنها من نقضها لقرارات سابقة (الاتفاق النووي الايراني مثلاً) دخلت الآن في حوار متواصل مع السودان في مرحلته الثانية بغرض التوصل إلى قرار برفع اسم السودان من قائمة الارهاب.
فاذا كانت ادارة ترامب نفسها المتوجس منها دولياً تحافظ على خط سيرها مع السودان بذات طريقة إدارة اوباما، فان هذا بالتأكيد يعني ان الأمريكيين على اية حال لديهم ما يدفعهم إلى اصلاح علاقاتهم بالخرطوم. اذن هذه الورقة الامريكية افلتت الان من يد المعارضة ولم تعد قادرة على استخدامها وربما يجد اي محلل سياسي صعوبة في فهم لماذا أضاعت قوى المعارضة هذه الورقة الامريكية في ظل ازمات سابقة كانت ابواب واشنطن مشرعة أمام قوى المعارضة و كان تحديد موعد مع اي مسئول رفيع امريكي مع أحد قادة المعارضة لا يستغرق دقائق أو لُحيظات!
أما في النموذج الخاص بمجلس حقوق الإنسان فان الأمر اكثر ألماً لقوى المعارضة ، فقد كانت في السابق تحمل (ملفات سوداء) محشوة بالأحداث والقصص، قتل هنا واعتقال هناك، اغلاق صحف، ومصادرة أوراق، منع ندوة! كان يكفي قوى المعارضة ايراد أحداث لا حاجة لايراد أدلة بجانبها، فهي تملك أفواه وألسن فى مجلس حقوق الإنسان تعرف كيف تصور المآسي و تستدر الدموع!
الان تسربت هذه الورقة من بين يدي المعارضة، فالحكومة السودانية نجحت في تحقيق اختراقات استراتيجية مشهودة بوقف العنف في دارفور وإعادة الأوضاع لطبيعتها و إعادة بناء ما دمرته الحروب ونجحت في محاصرة حالة الاحتقان السياسي بإنفاذ مشروع الحوار الوطني 2014- 2016 و تشكيل حكومة قائمة على أساس مخرجاته و إجراء تعديلات جذرية في القوانين و فتح الساحة السياسية لانشطة ديمقراطية والمساهمة فى حل الصراع الجنوبي الجنوبي و إيواء اللاجئين و مكافحة تجارة البشر و مكافحة الارهاب.
هذه الأمور الاستراتيجية تغطي تماماً الأرض الحقوقية مهما اتسعت فهي اساس الممارسة الحقوقية، وفيها دلالة على إرادة الدولة السياسية . وهكذا، فان هذين النموذجين هما من عشرات النماذج التى تسربت أوراقها من يد المعارضة ونجحت الحكومة في إعادة استخدامها لصالحها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة