ورطة المعارضة السودانية حيال ما فعلته الثورية!

كأمر طبيعي ومتوقع لاذت العديد من القوى السياسية المعارضة بالصمت حيال الهجوم الأخير -غير الأخلاقي- لما يسمى بالجبهة الثورية على مناطق بشمال كردفان. القوى المعارضة هي من ورطت نفسها فى مثل هذا الموقف (غير المنحاز للوطن) فهي من جهة سايرت ما يسمى بالثورية وأصبحت حليفة لها، بل ومضت أكثر من ذلك لتوقع معها وثيقة الفجر الجديد والتي أقرت ما أقرت من علمانية الدولة وإعادة هيكلة الجيش السوداني وتقسيم السودان لدويلات؛ وهي من جهة تعنتت فى الدخول فى حوار مع الحكومة السودانية مع أن هذا الحوار هو أقصر الطرق وأفضلها لفضاء سياسي أفضل بالنسبة لها حاضراً ومستقبلاً.
هذا الموقف المتذبذب فى ظل افتقارها لرؤية وطنية واضحة تجعلها ترفض ما هو خطأ ومتجاوز للخطوط الحمراء وتقرّ ما هو معقول وموضوعي جعلها فى خاتمة الأمر تقف هذا الموقف الذى يعزلها بالضرورة عن نبض المواطنين ومعاناتهم .
والقضية هنا ليست قضية تصدي القوات الحكومية للمتمردين أو عدم توقع إقدامهم على عمل أخرق يفوق حدود التصور أو حتى الفشل فى التعامل العسكري معهم فى الوقت المناسب؛ هذه ليست القضية الجوهرية لأن دولاً كبرى –بريطانيا والولايات المتحدة– عانت وما تزال تعاني من موجات التخريب والضربات العصابية الخاطفة.
بريطانيا عانت من ويلات الجيش الأحمر الايرلندي لعقود، والولايات المتحدة ما تزال جراحها فى بوسطن طرية رغم كل تقنيتها وأجهزتها البالغة القدرة والحساسية.
المعيار هنا متفاوت والأمر لا يخضع لنجاح أو فشل ولكن القضية الأكثر إلحاحاً وأهمية هي أن مثل هذا العمل الأخرق -ترويع الآمنين وتدمير المنشآت- ثم الاختفاء والهروب لا يضعف الحكومة السودانية كسلطة مركزية إذا لم يزدها قوة إضافية ذلك أن من الطبيعي أن يلتف المواطنين حول حكومتهم وجيشهم وقواتهم النظامية بعدما رأوا مقدار الهمجية والسلوك العدواني الموتور الذى مارسه حملة السلاح.
ما تقترفه الأيدي المتوترة بدافع الغل والتشفي يلاحظه المواطنون الذين يقع الهجوم عليهم ومن ثم فإن من المستحيل تماماً -لدى من رأي وعايش- أن يقف فى صف هؤلاء ضد المركز . العكس تماماً هو الذى يحدث حين ينحاز هؤلاء الى الحكومة ليس لأنها الطرف الأقوى والقادرة على بسط الأمن ولكن لأنها على الأقل من توفر لهم الطعام والماء ووسائل الحياة والأمن.
سوف يزداد طين القوى المعارضة بلاً بالطبع إن هي لزمت الصمت فسوف يدرك، بل ولعله قد أدرك المواطن البسيط العادي أن القوى السياسية المعارضة لا تمانع من القيام بعمل كهذا فى سبيل وصولها للسلطة متحالفة مع حملة السلاح، وهذا معناه بالضرورة أن حملة السلاح أقوى من حلفائهم فى قوى المعارضة وهذا أيضاً معناه بالضرورة أنه وعلى فرض نجاحهم فى مسعاهم لتغيير السلطة فإن يدهم الباطشة الخرساء ستكون أقوى من بقية القوى السياسية وهو ما يعني بمنتهي البساطة انهيار أركان ودعائم الدولة ودخولها فى فوضى أمنية ضاربة.
ولهذا فإن خطأ القوى المعارضة فى مثل هذه المواقف مزدوج، فهي تعين هؤلاء المتمردين بالحياد والصمت فى أمر يفسر نفسه ويعتبر دعماً غالياً، وفى الوقت نفسه تتخلى عن روحها الوطنية حيال قضايا المواطنين وأمنهم باعتبارها تتطلع الى حكمهم مستقبلاً بما ينزع عنها الثقة.
قوى المعارضة إذن اختارت منزلة بين منزلتين لا مجال لثالثة فيها، وعليها أن تتحمل من الآن فصاعداً فاتورة هذا الموقف المشين!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة