كل من تابع عملية إنشاء وتكوين ما يسمى بالجبهة الثورية قبل نحو من 4
سنوات، ثم تابع مسيرتها وطريقة عقد اجتماعاتها وإجراءات الاجتماعات الحالفة
باستمرار بالخلافات لن يندهش قط حين يراها وقد تصدعت وتفككت وباتت (عبرة)
من عبر التاريخ!
الجبهة الثورية كانت تكويناً خاطئاً من الأساس ليس فقط
لكونها تضم متناقضات وقوى مسلحة متقاطعة المصالح؛ ولكن الأهم من كل ذلك إن
التكوين جاء مصنوعاً وبأيدي أجنبية ولأغراض خاصة بآخرين وظل الإشراف عليها
وتمويلها بإشراف أجنبي صرف.
جبهة بهذه المواصفات كانت بالتأكيد تحمل
بذرة فنائها، ولهذا فإن أسباب سقوط الثورية في واقع الأمر ليست عائدة على
الموقف الفاضح والفادح الأخير من قبل رئيسها الذي رفض التخلي عن الرئاسة
لمن يستحقها.
أسباب تصدعات الثورية واحتراقها الأخير يمكن تلمسها في
عدة نقاط: أولاً، حركات دارفور المسلحة هي نفسها -دعك من الحركة الشعبية
قطاع الشمال- ظلت وما تزال تعاني من التصدعات.
واحدة من أعمق أزمات
أزمة دارفور أن الحركات الدارفورية غير متجانسة فيما بينها والتي ليست
لديها أدنى وقاسم مشتركة ولا نغالي أن قلنا انه وحتى الانتماء القبلي
بالنسبة لحركات دارفور ليس عنصراً فاعلاً لترسيخ وحدتها؛ ومن المعروف أن
حركتيّ عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي كانتا (رتقاً) وكانت حركة
واحدة ولكنها انقسمت! لماذا ؟ لا أحد يعرف، المهم أنها انقسمت ثم إن حركة
مناوي نفسها -قبلياً- تشبه حركة جبريل إبراهيم حيث تتشكل من قبيلة الزغاوة!
ولكن ليس هناك ما يجمع بينهما لا من قريب ولا بعيد.
إذن حركات دارفور
نفسها غير موحدة وغير قابلة للتوحد حتى ولو لأغراض جبهوية وما يفرضه الأمر
الواقع من تحالف حد أدنى، فمن الطبيعي إذن أن يجد قطاع الشمال صعوبة في
التحالف مع هذه الحركات. شيء طبيعي بل أكثر من الطبيعي.
ثانياً، الحركة
الشعبية قطاع الشمال بدت حريصة -لأسباب تخصها وحدها- على أن تظل حركات
دارفور -رغم ما يجمعها معها من تحالف جبهوي- غير متجانسة فلو تجانست حركات
دارفور وتوحدت لشكلت غلبة سياسية وعسكرية على الحركة الشعبية قطاع الشمال
وهو أمر يهدد بقاء قطاع الشمال.
المضحك في هذا الأمر أن حركات دارفور
سرعان ما أدركت هذه الحقيقة -ولو بعد فوات الأوان- وتوحدت على الأقل هذه
المرة من أجل الرئاسة، وأصرّت على ضرورة انتقالها إلى جبريل إبراهيم فوقع
على الفور الانهيار الذي كانت تخشاه سراً الحركة الشعبية قطاع الشمال.
ثالثاً،
لم تتأسس الجبهة الثورية مطلقاً على أساس فكري أو برنامج سياسي واقعي على
الإطلاق. مجرد تهويمات سياسية فطيرة وغير مفهومة نسيت من خلالها أنها تطرح
نفسها بديلاً معادلاً وموضوعياً للسلطة الحاكمة. بل على العكس بدا واضحاً
أن الثورية ليست سوى تكوين مسلح (خال من الفكر والسياسة) هدفه (المغامرة)
للوصول إلى السلطة. لهذا فإنها لم تحز يوماً تأييد أي مواطن سوداني، بل إن
الساسة الذين انخرطوا في الثورية -ساسة حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي-
فعلوا ذلك فقط لأنهم يعتقدون أن بإمكان حملة السلاح تشكيل ضغط على الحكومة
في ظل وجود دعم خارجي للجبهة الثورية!
المؤلم في هذا الصدد أن هؤلاء
الذي ركبوا موجة الثورية وساروا معها وجدوا الآن أنفسهم في عرض البحر وقد
تحطمت السفينة والشاطئ بعيد ونفد الزاد وقبطان السفينة في خلاف عميق!
رابعاً،
تعاملت الجبهة الثورية بروح عنصرية خالصة، فالجميع رأى وشاهد كيف عاثت
فساداً تاريخياً في أب كرشولة قبل سنوات، وكيف عمقت روح الفرقة بين
السودانيين!
إن تكوين جبهة مسلحة ذات انتماء قبلي ومناطقي محدد أمر
يستحيل أن يمضي إلى الأمام في بلد كالسودان فيه مئات القبائل والكل يسعى
لتذويب الفوارق بينها. لقد ماتت الجبهة الثورية لأنها ولدت بتشوهات خلقية
وبنيوية معروفة، ولهذا فإن المطلوب الآن أخذ العبرة والعظة بدلاً من إطالة
التوقف في الأشلاء والجثث وآثار الحريق المدمر!
تعليقات
إرسال تعليق