ما تزال قضايا الفساد محلاً للتداول الاعلامي والنقاش والمطالبات. ومع
ان الحكومة السودانية وفي سياق استئصال شأفة هذا الداء فعلت الكثير ولكي لا
يعتقد البعض ان هذا القول ملقي على عواهنه، فإن هناك مؤشرات موضوعية واضحة
ومتاحة أمام الكافة تثبت ان الحكومة السودانية تعمل جدياً على مكافحة هذا
الفساد.
أولاً: تحفل الصحف اليومية عن حالات الفساد واعتداءات على
المال العام، تجري محاكمتها امام محاكم السودان المختلفة. لقد تسنّى لنا في
مجمع محاكم الخرطوم شمال -وسط الخرطوم- الوقوف على ملفات عديدة هي قيد
المحاكمة والمتهمين فيها يتراوحون ما بين الموظفين من درجات وسيطة،
ومسئولين كبار.
وحين تقف عن كثب على هذه المحاكمات عبر حضور الجلسات
واتساع المتابعة ستجد بسهولة شديدة ان الاجراءات تمضي بطريقة عادية، هي
الطريقة المعهودة في أي اجراءات محاكمة.
ثانياً، قضايا الفساد التي أخذت
منحى يتصل بالرأي العام (ملف هيثرو، ما جري في مكتب والي الخرطوم، تظاهرات
سبتمبر) هي الآن بحسب متابعة لصيقة، قيد التحقيق، وفي الغالب فإن من مصلحة
أي تحقيقات مهمة وعميقة كهذه ان تظل تجري بعيداً عن التعليقات الاعلامية
وذلك لما قد يصبح تأثيراً على سير العدالة.
المشكلة ان وسائل الاعلام
والصحف بها شغف بإيراد تفاصيل، وهو امر لا يخلو من صعوبة لآن هذه هي طبيعة
التحقيقات الجنائية، يلحق بها الضرر نشر تفاصيلها.
ثالثاً أصدرت
الحكومة وأعدت قانوناً خاصاً ومتكاملاً لمكافحة الفساد وهو امر يمكن
اعتباره عملاً استراتيجياً ضخماً من الصعب ان يلمس الناس ثماره الآن،
فالقانون في طور المراحل المعروفة لإجازته رسمياً من قبل البرلمان، كما أنه
يستلزم انشاء مفوضية خاصة للقيام بهذه المهمة وكل هذه الامور تجري في
سياقها العادي حرصاً من الجهات المسئولة على تفادي الاخطاء أو إلحاق
الاضرار بالأبرياء.
ومعروف ان احدى مسلمات قانون مكافحة الفساد عدم
تقيده بالحصانة الاجرائية وانه من حق المفوضية استدعاء كل من تشتبه به في
علاقته بواقعة فساد مهما كانت وظيفته ومنصبه الرسمي، وهذا في جوهره فيه
دلالة قاطعة على توفر قدر كبير من الارادة السياسية لدى الحكومة لملاحقة
الفساد مهما كان مستوى مرتكبيه.
إذن إجمالاً يمكن القول ان خطوات
الحكومة السودانية في هذا الصدد يصعب التقليل من شأنها والاستهانة بها، بل
إن هناك شواهد ايجابية اضافية اكثر تدليلاً على جدية الحكومة على مكافحة
الفساد والحد منه:
1-القرار الذي أصدرته مؤخراً المجموعة الباريسية
المختصة بقضايا غسيل الاموال وتمويل الارهاب (فاتف) وأقرت فيه أن السودان
نجح في الحيلولة دون وجود حالات غسيل أموال او تمويل الارهاب بفضل قوانينه
وإجراءاته ذات المعايير الدولية في هذا المنحى.
2-مشروع الحوار الوطني
الدائر حالياً والذي تتبلور من خلاله رؤى ومقترحات مفتوحة للمشاركين فيه من
بينها معالجة قضايا الفساد وفق الآليات التي يتم اقراراها. كل هذه في
النهاية تمثل خطوات عملية وجدية ليس من العدل التقليل منها، إذا كان الجميع
بالفعل حريص على تحقيق اختراقات واقعية في هذا المضمار!
تعليقات
إرسال تعليق