تعاني قوى المعارضة السودانية بشقيها السياسي والعسكري داءً ديمقراطياً مزمناً، فهي تطالب وبإصرار غريب بالديمقراطية والحرية لدرجة الهذيان ولكنها في الوقت نفسه لا تطيق هذه الديمقراطية ولا تعرف كيف تتعامل مع الحرية!
وربما كانت المعارضة المسلحة ممثلة في ما كان يُعرف بالجبهة الثورية هي التي أعطت أسطع دليل على ذلك، فقد رأينا كيف انهارت اجتماعات الثورية في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً لأسباب ديمقراطية بحتة! كبار دهاقنة الثورية أعطوا النموذج المجاني، على أن الديمقراطية التي يطالبون لها و(يحملون من أجلها السلاح) ليسوا مكلفين حالياً بممارستها.
رفض قطاع شمال تطبيق النظام الأساسي للجبهة الثورية فيما يخص رئاسة الثورية دورياً، كان بمثابة (شمس نهار ساطعة) على أن الديمقراطية شيء يقال ولا ينفذ! ولا شك أننا لو وجدنا عذراً لبعض قادة الثورية الذين يتزعمون حركات مسلحة وأذهانهم محشوة بالذخائر والحنق والدماء، فإن هنالك بجانبهم قادة سياسيين أو هكذا يزعمون أمثال عرمان والتوم هجو ونصر الدين الهادي وغيرهم من أصحاب الثياب الناعمة الملساء. على الجانب الآخر فإن المعارضة السياسية بالداخل هي الأخرى أكثر سوءاً من الثورية.
فلى سبيل المثال فإن هذه القوى المعارضة ظلت تجأر بالشكوى ليل نهار أنها تريد الديمقراطية وحرية إقامة الندوات والتجمعات الجماهيرية ولكن كانت الفاجعة الكبرى أنها وحينما أحيل بينها وبين الندوات الجماهيرية والحريات كانت المحصلة مبكية مضحكة.
حركة الإصلاح الآن ملأت الدنيا ضجيجاً حين تم رفض طلبها لإقامة ندوة أول مرة. وظلت تطلق التهديدات والوعيد هنا وهناك. وحين منحت إذن أقامت ندوة جماهيرية متواضعة للغاية، بحيث أن حضورها لا يكفي لإطلاق صفة (جماهيرية) عليها!
الأكثر سوءاً أن ما قاله قادة حركة الإصلاح في الندوة الجماهيرية المزعومة لم يحو جديداً! ذات الاكتشاف المتكرر عن ضعف النظام وقرب سقوطه وأفعاله التي إرتكبها! لنتصور عزيز القارئ ندوة جماهيرية زعم الحرب أنه (تزعمها) إنتزاعاً من الحكومة، لم تحظ بحضور ولم تحظ بمتحدثين ولم تحظ (بموضوعات مهمة) تستحق العناء! مجرد تكرار ممل ومؤلم لاجترار سياسيات بالية أكل عليها الدهر وشرب.
ذات الصورة أعيد تكرارها فيما عرف بـ(ندوة الأهلية)، حيث تزعم الحزب الشيوعي هو الآخر ندوة ما كان يُعرف بقوى الإجماع. حضور مبكي ومضحك وموضوعات لم تجاوز الانتقادات الداخلية المعتادة فيما بين قوى الإجماع، كل حزب بما لديه فرح، ويوجه نقده لحلفائه الآخرين الجالسين معه على ذات المنصة!
من المؤكد أن هذا الواقع الأليم للقوى السودانية المعارضة يمثل أزمة حقيقية علي ديمقراطية مرتجاة في هذا البلد المنكوب بأمثال هؤلاء القادة. ديمقراطية تقليدية فات أوان موديلها البالي ولم تتعد إطار التنابذ وإطلاق الاتهامات وترديد الشعارات المستحيلة.
والمؤسف إجمالاً إن هذه القوى المعارضة -بعد هاتين الندوتين- لا تمتلك ما تقوله، فقد نضب المعين وهو من الأساس ناضب، وإذا كانت قوى المعارضة السودانية في السابق قادرة على الكلام وعاجزة عن الفعل فإنها الآن عاجزة عن الفعل وعاجزة أيضاً عن الكلام وذلك داء لا دواء له!
تعليقات
إرسال تعليق