تناقض موقف المعارضة بخصوص الحوار الوطنى

موقف القوى السودانية المعارضة التي رفضت مشروع الحوار الوطني الجاري هذه الايام لا يخلو من طرافة. فهي رفضت الحوار لأسباب غير منطقية وغير موضوعية حين وضعت اشتراطات ومطلوبات هي أصلاً من صميم موضوعات الحوار. ثم هي الآن -وهذه مكمن الطرافة في موقفها- تطالب وهي خارج قاعات الحوار، بما يجري التحاور عنه تفصيلاً داخل قاعة الحوار!
أما كان إذن من الاجدى دخول قاعة الحوار ومناقشة هذه المطلوبات كفاحاً، بدلاً من الاستجداء من الخارج بأحاديث يأخذها الهواء ولا يعود صداها حتى!؟ هناك ما هو اكثر طرافة من هذا الأمر، فأحزاب الشيوعي، المؤتمر السوداني والأمة القومي والبعث، كل هذه الاحزاب تنتظر الآن -بفارغ الصبر- فشل الحوار، فقط لتخرج وتقول على الملأ، ألم نقل لكم؟ وفي ذات الوقت اذا سألت هؤلاء وما هو بديلكم لهذا الحوار اذا كنتم رفضتموه ووضعتهم شروطاً مسبقة؟ الاجابة تأتي سريعة كما البرق، بديلنا الانتفاضة الشعبية!
كلهم قالوا ذلك وكان آخرهم نجل السيد الصادق المهدي، الصديق الصادق المهدي في الندوة التي اقامتها قوى نداء السودان. حسناً، اذا كانت هذه القوى المعارضة تمتلك بديل الانتفاضة الشعبية ما الذي (أخرها) طوال ما يربو على الربع قرن حتى الآن وهل الانتفاضة الشعبية عملية لا تتجاوز عملية (كبس زر) تنطلق بمجرد الضغط عليه انتفاضة شعبية؟
و هب أنها مجرد عملية كبس زر، تملك هذه القوى (شفرته) وقادرة على اطلاقه في الحال، هل هذه القوى المعارضة مؤهلة -ولو تأهيلاً في حده الأدنى- لمواجهة استحقاقات ما بعد الانتفاضة المزعومة؟ إذا كانت قوي الاجماع تفرقت بها السبل واختلفت وتشاكست وأصحبت أثراً بعد عين، وإذا كانت الجبهة الثورية اختلفت فيما بينها وتعاركت لمجرد مواجهة استحقاقات ديمقراطية داخلية تتعلق فقط برئاستها، وهي الآن تضع أقدامها على عتبة متحف التاريخ!
و اذا كانت احزاب مثل الشيوعي تعيش حالياً اجواء فصل قياديين من بينهم الشفيع خضر وانتقاداته الحادة للحزب العجوز، وحزب الامة القومي اقعدته مشاكله وإعتلالاته الصحية التنظيمية، حتى اصبح بالكاد يذكر هنا وهناك.
اذا كان الامر كذلك في واقع هذه القوى المعارضة، دعك من حركات دارفور المتورط بعضها في دولة الجنوب ولا تستطيع الفكاك منها، بعضها مثل حركة مناوي تم القبض على أعداد من افرادها بواسطة جماعات ليبية مسلحة وشُلت بسببهم الحركة، فإن من المضحك ان ينتظر عاقل من أمثال هؤلاء ان يكونوا قادة لانتفاضة شعبية!
إن أزمة الواقع السياسي على صعيد قوى المعارضة السودانية هي نفسها وبمعزل عن مجمل الازمة السودانية أزمة اشد تأثيراً من سواها، وهذه النقطة تحديداً –ولسوء حظ هؤلاء– راسخة في أذهان المواطنين السودانيين بذكاءهم المعهود، فمن يا ترى سوف يحقق لهؤلاء أمنياتهم هذه، وهم بهذا القدر المؤلم من اللا مسئولية واللا وطنية، بل واللا احترام لحقائق الواقع؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة