قطاع الشمال.. حصاد العبث السياسي!

سوء التوقيت وسوء التعامل مع القضايا السياسية بالجدية والموضوعية اللازمة هي التي ألجأت قطاع الشمال ليبدو-في هذه الظروف التاريخية الدقيقة- يتيماً على مائدة التفاوض! ففي العامين الماضيين وحين كان متاحاً للقطاع واستناداً إلى قرار دولي صادر عن مجلس الأمن خوض مفاوضات مباشرة مع الحكومة السودانية والوصول إلى اتفاق منصف تباطأ قطاع الشمال وتلاعب بيديه ورجليه وذيله، وجرب كل الأساليب والوسائل الممكنة وغير الممكنة لعرقلة مفاوضات أديس!
بذل قطاع الشمال جهداً جباراً لعرقلة مفاوضاته تلك أملاً في أن يوسع من نطاق التفاوض من جهة ويوسع من نطاق أطراف التفاوض من جهة أخرى. الآن بات محتماً على القطاع أن يخوض مفاوضات ثنائية والأكثر سوءاً أن يقتصر التفاوض فقط على قضايا المنطقتين! هذا الوضع يكشف عن جملة من الحسابات الخاطئة وسوء إدارة الأمور، فمن جهة أولى فإن قطاع الشمال الذي كان يتصور أنه بمثابة (قيادة سياسية وعسكرية) للقوى المعارضة وأنه باستطاعته أن يصبح معادلاً موضوعياً للسلطة الحاكمة بحيث يحمل كل قوى السودان الأخرى على ظهره ليشكل بها ضغطاً على الحكومة؛ عاد بعد كل هذا العناء ليصبح في حجمه الطبيعي مجرد فصيل مسلح ينطلق من منطقتين فقط، جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق لا غير.
ومن جهة ثانية فالأكذوبة الكبرى التي ظل يتدثر بها القطاع كونه معنيّ بقضايا التحول الديمقراطية والحريات -وهو ما ظل عرمان على وجه الخصوص يتشدق به، سقطت وإلى الأبد، فقد أسفر موقف مالك عقار الرافض للتداول السلمي الديمقراطية لرئاسة في الجبهة الثورية عن وجه كالح قميء فضح أكذوبة التحول الديمقراطي والمزعومة، ومن ثم فقد بات من المستحيل أن توكل مهمة التحول الديمقراطي المزعومة هذه لفصيل مسلح لا يؤمن بها لا من قريب ولا بعيد.
ومن جهة ثالثة فإن حادثة رفض عقار تسليم رئاسة الثورية إلى من يستحقها حسب النظام الأساسي للثورية في ظل صمت كلٌ من الحلو وعرمان فيها دلالة قاطعة على أن قطاع الشمال يعمل على الاستفادة من وجود الفصائل الدارفورية المسلحة ضمن الثورية لأغراض تكتيكية فقط، أي لحين الوصول إلى المكاسب المرجوة ومن ثم لكل حادث حديث!
هذا بدوره يعني على الفور أن القادة السياسيين أمثال الصادق المهدي ونصر الدين الهادي والتوم هجو مجر ديكور سياسي لأغراض الزينة. وتأسيساً على هذه الحيثيات السياسية الناطقة فإن سوء حظ قطاع شمال إن (نواياه البالغة السوء) ظهرت في توقيت سيء، فهو الآن بعيد جداً عن الحوار الوطني، وبعيد جداً عن الفصائل الدارفورية المسلحة والأكثر سوءاً أن عليه خوض مفاوضات بميزان ميداني ضعيف وميزان سياسي أضعف. وكل ذلك جراء سوء التدبير وسوء التعامل مع قضايا السودان والتهاون حيالها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة