عامان على الانفصال .. صراعات تتنامى بالجنوب

مضى عامان على انفصال جنوب السودان ولا يزال الجنوب تحاصره الكثير من المشكلات بل يسبح في مستنقع التوترات والخلافات التي لم يشأ بسببها ان يتقدم قيد انملة نحو انشاء دولة مستقرة ، ومع بداية العام الثاني للانفصال ارتفع سقف الخلافات بين قادة الجنوب حد الاعتراف بالفشل في حكم الجنوب ، وتبادل الاتهامات فيمن تسبب فيه ..

فبالامس وجه باقان اموم الامين العام للحركة الشعبية وهو من النافذين في حكومة الجنوب ، وجه اتهاما صريحا لرئيس حكومة الجنوب سلفا كير بانه فشل في ادارة الحكم ، واعترف بان الحركة الشعبية فشلت تماما في ادارة شئون البلاد وتحقيق تطلعات شعب الجنوب، واقر بان ضعف البرامج الاقتصادية والامنية والخدمية هي التي اسهمت في فشل تجربة الحكم ..

هذا الاعتراف الصريح سبقته توترات واحتقانات حينما اصدر رئيس حكومة الجنوب سلفا كير قرارا بعزل دينق الو وزير شئون الوزراء وكوستي مانيبي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي واتهمهما باختلاسات مالية وتبعت ذلك تداعيات مختلفة بعضها يستنكر القرار لجهة انه يستهدف قبيلة معينة ما جعل انصار هذا الاتجاه ينددون ويتهمون سلفا كير بالانحياز السلبي غير العادل ، بينما استخدم آخرون هذا القرار لصالحهم بان الفساد قد استشرى بحكومة سلفا كير حد ان يختلس وزير المالية نفسه ..

ذات التوترات تكررت حينما اصدر سلفا كير قرارا آخر عزل بموجبه تعبان دينق والي ولاية الوحدة وتعيين جوزيف مانتويل بدلا عنه مما جعل عددا من مواطني جوبا يتظاهرون ضد سلفا كير وطالبوه بالتنحي ، بينما رفض تعبان القرار وقال انه منتخب وان قرار عزله غير شرعي وسانده على ذلك رياك مشار نائب رئيس الجنوب الذي اعتبر القرار غير دستوري وبرر ذلك بان تعبان منتخب ولا يحق للرئيس عزله ، هذا التضارب في الآراء بمؤسسة الرئاسة يشير الى وجود خلافات حادة ربما تفضي الى عزل مشار نفسه وقد اشارت بعض التسريبات الى ذلك ..

مشار الذي انتقد حكومة الجنوب في آخر تصريح له في حديثه لهيئة الاذاعة البريطانية ووصفها بالفاشلة وان الفساد استشرى بها بينما ارتفعت العنصرية القبلية وتضاءل الاقتصاد ويواجهها الان شبح الانهيار معلنا عن انه سيقود الاصلاح بنفسه ..

هذه الاجواء المشحونة بالاحتقانات جعلت القوى السياسية بالجنوب تدعو بشدة الى رحيل النظام الحاكم هناك لفشله في ادارة الحكم بعد مرور عامين من الانفصال ، بل طالبت تلك القوى السياسية بتسليم السلطة للشعب وانتخاب حكومة جديدة تخلص البلاد من الازمات المتلاحقة ..

فيما يبدو ان الاوضاع هناك وصلت حد الانفجار طالما ان المواطنين خرجوا متظاهرين ضد حكومة الجنوب ، ومعروف ان انسان الجنوب جبل على الاستسلام والتعايش مع اي وضع بالجنوب ولا يهتم كثيرا بالسياسة او حتى المطالبة بتحسين الخدمات ، اما ان يخرج متظاهرا فهذا يشير الى ان المواطن الجنوبي بدأ يستشعر فشل حكومته التي عول عليها كثيرا في ان تحقق له حلمه بان يجد دولة مستقلة تتوافر بها الخدمات الاساسية والامن وتقيه شر المسغبة والجوع ،ولكن شيئا من هذا لم يتحقق فيما يبدو ، ما جعل المواطن هناك يثور ويخرج للشارع مستنكرا اي قرار سياسي يصدره رئيس حكومة الجنوب ..

هذه الضغوط المكثفة التي تشهدها دولة الجنوب من الداخل والخارج بغية إصلاح النظام السياسي والاهتمام بالتنمية ومكافحة الفساد، و مطالبة بعض الأحزاب الحركة الشعبية بضرورة تشكيل حكومة خلاص وطني لإنقاذ البلاد من التدهور المريع الذي تشهده في كل مناحي الحياة، تجعل الحكومة هناك في مواجهة ساخنة تشي بحدوث صراعات أكثر ، حتى ان رئيسة بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان هيلدا جونسون حذرت من مغبة وقوع مثل هذه الصراعات، وحثت قادة الجنوب تجاوز مصاعب تطبيق الإصلاحات السياسية وتعزيز المؤسسات العامة، ووضع الدستور وتحسين أوضاع حقوق الإنسان وإجراء الانتخابات الديمقراطية.

فيما يبدو ان جونسون احاطت مجلس الامن بما يحدث بالجنوب من تفلتات وعدم استقرار ، حيث أدى القتال بين الجيش الشعبي وجماعات مسلحة والتهديدات المتبادلة من الجانبين إلى نزوح آلاف المدنيين. و أن العنف كانت له عواقب مأساوية حتى على بعثة الأمم المتحدة، وما يدعو للقلق العميق حالات الاعتقال التعسفي والاحتجاز وسوء المعاملة وحوادث القتل على أيدي قوات الأمن، وعدم قدرة السلطات على محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.. اذن فدولة الجنوب التي كان ينبغي ان تحتفل بالذكرى الثانية لاستقلالها (كما يقول بذلك قادتها هناك) هي الان تعيش اصعب التحديات على كل الاصعدة ، فعلى الصعيد السياسي تحاصرها الخلافات الداخلية ما جعل قادتها يعترفون بفشلهم في اقامة دولة مستقرة ، وتطالبهم القوى السياسية بالرحيل وتشكيل حكومة جديدة تخلص البلاد من الازمات الراهنة ، وعلى الصعيد العسكري والامني زادت وتيرة المواجهات بين الجيش الشعبي و الجماعات المسلحة ما احدث عنفا وقتلا وانتهاكات لم تستطع الحكومة حسمها بشهادة رئيسة بعثة الامم المتحدة بجوبا ، وعلى الصعيد الاقتصادي فشلت حكومة الجنوب في توفير مقومات الحياة هناك لضعف برامجها الاقتصادية او عدم التعامل بحنكة تجاه تصدير البترول الداعم الاساسي للاقتصاد ..

ازاء ذلك يرتفع سقف التكهنات بمزيد الصراعات التي ربما اطاحت برؤوس كبيرة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة