الإجابة بسيطة للغاية ولكنها تقع فى عدد من النقاط المهمة التى يصعب
التقليل منها. أولها أن الرجل وباعتباره الآن رئيساً لدولة قضت كل وقتها
ومنذ حصلت على الحق فى الانفصال فى عراك متواصل مع الدولة الأم، أدرك أن من
المستحيل تماماً أن تعيش دولته بتكتيك سياسي مزدوج، تأخذ وتنال مصالحها من
الخرطوم كاملة غير منقوصة، وفى الوقت نفسه تعمل على تغيير السلطة فى
الخرطوم لتكسب بلداً إضافياً يغرد بلحنها!
هذه الحقيقة وإن لم ولن يفصح
عنها أحد في جوبا إلا أنها الحقيقة الأولى التى لا مراء فيها التى ظلت
تعتمل فى نفس الرجل وتدفعه دفعاً لإعادة النظر بعمق فى قراراته السياسية
حيال الدولة الأم.
النقطة الثانية أن الرئيس كير فرغ لتوّه من ترتيب
بيته الداخلي والقضاء على ما يمكن أن نسميها (بمراكز القوى) التى لم تضعفه
طوال الفترة الماضية فحسب وجعلته رئيساً بلا سلطات، ولكنها باتت تشكل
تهديداً لوجوده (د. مشار نموذجاً) إذ من المفروغ منه أن يدير دبلوماسية
رئاسية خالصة وخاصة به هو وحده يكون المتحكم فيها.
فى السابق كان الرجل
– وهذا ليس سراً – يفاجأ بمواقف وقرارات من بعض مرؤوسيه لم تكن فى حسبانه
ويضطر لابتلاعها أملاً فى أن تكون صحيحة. الآن لم يعد لدى سلفا كير مساعدين
يوكل إليهم أمور إدارة شأنه الخارجي والداخلي بالقدر الكافي، فالذين قام
باختيارهم مؤخراً من وزراء وتنفيذيين ما زالوا (تحت الملاحظة والتمرين)
وبالطبع أدرك أنه ليس من الممكن ترك الأمور لهم.
النقطة الثالثة أن
الرئيس الجنوبي -وكأمر حتمي- أدرك أيضاً أن إصلاح علاقاته مع السودان على
نحو استراتيجي حتى ولو كان منقوصاً بدرجة ما، هو سبيله الوحيد الى الإصلاح
الداخلي وحاجة الرئيس كير الى إصلاح داخلي تمليها عليه استحقاقات سياسية
داخلية تتعلق بالانتخابات الوشيكة هناك، فالرجل استشعر الخطر من منافسيه
أمثال مشار واستشعر ايضاً -ولو متأخراً- أنه لم يحقق شيئاً ذي بال على
الصعيد الداخلي إذ لا يزال المواطن الجنوبي غير متمتع بالخدمات الأساسية من
تعليم وصحة وعلاج، والواقع الماثل يفرض عليه فرضاً أن يفعل شيئاً وهو لا
يستطيع أن يفعل ذلك في ظل علاقات متردية مع السودان، وفى ظل صراع دخلي في
بيته الداخلي.
النقطة الرابعة إن الرئيس الجنوبي -على الصعيد الشخصي
فيما يبدو- يشعر بأنه لم يقوِّى علاقاته بالسودان الدولة –شعباً وحكومة–
وهذا أمر ضروري فى العلاقات الدولية إذ أن الاحترام المطلوب بين الرؤساء
وشعوب الدول الأخرى مهم جداً في الحصول على قبول فى العلاقات الثنائية وحسن
الجوار.
وعلى ذلك فإن الرئيس كير الماضي بقوة نحو ترسيخ سلطته
السياسية فى الدولة الجنوبية ربما بدأ يفكر - وكالعادة متأخراً- فى التحول
الى رجل الدولة بعد أن ظل رئيساً لتنظيم مسلح يعج بالتشكيلات العصابية،
والأفكار المتأرجحة.
تعليقات
إرسال تعليق