أستغرب بعض المراقبين الهجوم اللاذع (غير المسبوق) الذى شنّته هالة عبد
الحليم، زعيمة حركة حق على قوى المعارضة السودانية فى المؤتمر العام السادس
لحزب البعث العربي الاشتراكي مؤخراً.
ودار الاستغراب حول أن المهاجِمة
لهي الأكثر حرصاً على التحالف إن لم نقل الأكثر حاجة إليه نظراً لصغر حجم
ووزن حزبها (وحاجته للرعاية الولية)! كما أن موجات الاستغراب تكاثفت أكثر
كون أن المناسبة -وهي المشاركة فى مؤتمر عام لحزب- مناسبة مبهجة أكثر من
كونها محزنة وقد حولتها هالة -عبر مفاجأة كاملة- الى مناسبة محزنة.
الواقع
لا حاجة البتة للاستغراب مما أقدمت عليه هالة التى بذلت ما في وسعها قبل
عام ونيف للجمع بين كل من زعيم المؤتمر الشعبي وزعيم الأمة القومي، الترابي
والمهدي، ونجحت -الى حد ما- وقتها فى إجراء مصالحة بينهما، إنما فعلت ذلك
بوحي من شعورها أن فقدان التحالف للحزبين الكبيرين بالنسبة لبقية أحزاب
المعارضة، هو فقدان للوجود دون شك.
والآن بدا على الأفق أن كل من الأمة
القومي والشعبي يقتربان اقتراباً كبيراً من التوافق مع الوطني مغادرين
مقاعد التحالف المعارض الأمر الذى أثار إحباطها وهي دون شك محقة، فلماذا
يعني تحالف قطع (أثرية) صغيرة من الأحزاب فى غياب الكبار؟
الأمر الثاني
أن هالة تدرك أن ذهاب الشعبي والأمة تسبب فيه غياب الرؤية السياسية
السديدة داخل التحالف، وهي حين سعت سعيها ذاك لجمع الترابي والمهدي إنما
كانت تسعى فى الواقع لخلق رؤية سياسية موحدة يسير على هديها التحالف. الآن
ضاع التحالف وضاعت معه الرؤية السياسية السديدة ومن ثم كان لزاماً أن يجري
ذرف الدموع علناً، فالحدث جلل والمصاب كبير.
الأمر الثالث –وهذه من
غرائب السياسة السودانية– أن أحزاب اليسار ومهما بلغت قوتها لا تستطيع ان
تنشيء تحالفاً سياسياً قوياً وحدها منطبقاً عليهم المثل العربي المعروف
(زامر الحي لا يطرب) فعلى كثرة أحزاب اليسار وعلى كثرة المشتركات فيما
بينها إلا أنها نادراً ما تجتمع على رؤية سياسية موحدة وخير دليل على ذلك
(حق) نفسها التى هي ليست سوى (واجهة مستحدثة) للحزب الشيوعي السوداني وهناك
(حق) أخرى غيرها، وذات الأمر فيما يتعلق بالبعث حيث هناك (عراقي) وآخر
(سوري) وكأنها ستائر أو ملبوسات جاهزة وليست أحزاباً سياسية سودانية.
وعلى
ذلك فإن من الطبيعي حيال وضع مؤلم وحالة توهان حادة يعيشها التحالف أن
تضطر هالة بكامل (أناقتها السياسية) أن تلطم الخدود وتشق الجيوب على تحالف
معارض ظلت تفعل المستحيل من أجل تعافيه وعودة الروح إليه ولكن أمر القدر
كان نافذاً وأسرع.
تعليقات
إرسال تعليق