إنخفاض الدولار.. سر التجربة الاقتصادية الناجحة!

حين أطلق وزير المالية السوداني بدر الدين محمود -قبل أسابيع-  تصريحات صحفية أكد فيها بثقة واضحة إن الجنيه السوداني سوف يرتفع قليلاً فى مواجهة الدولار وأن الأخير سيوالي الانخفاض حتى يصل إلى مبلغ 8 جنيهات؛ من المؤكد أن أحداً لم يولي التصريح المذكور الاهتمام المطلوب، فقد كان الكثيرين ينظرون إلى قضية أداء الاقتصاد السوداني باعتبارها قضية بالغة التعقيد من الصعب معالجتها عبر إطلاق التصريحات.
غير أن الواقع العملي ما لبث أن أكد وعلى نحو قاطع أن تصريحات الوزير تلك لم تكن مجرد تصريحات أو أمنيات سياسية، فقد كان الرجل يرنو بنظرة إلى حزمة السياسات والإجراءات الشديدة الصرامة التي عكفت على إنفاذها وزارته بتناغم مع البنك المركزي، وكان من المحتم أن تفضي هذه السياسات والإجراءات إلى إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع.
ولهذا فحين يبدي البعض دهشته من تطورات انخفاض قيمة الدولار مقابل الجنيه فإن هذه الدهشة فى حد ذاتها هي لب الموضوع إذ أن الجانب الآخر من الصورة أن الحكومة السودانية قد وضعت يدها بقوة على مكمن الداء وشرعت فى مداواته فمن جانب أول فقد عززت وزارة المالية من قبضتها على الولاية على المال العام، وهذه واحدة من أهم النقاط المحورية فى معالجة الموضوع بحيث اختفت عمليات التراخي فى قفل الحسابات وانتفت عمليات التجنيب بكل ما كانت تسببه من إيذاء لعملية حركة المال وسلاسة انسيابه.
ومن جانب ثاني فإن الوزارة عمدت إلى توسيع قاعدة إيرادات الدولة وهذا واضح فى إحكام انسياب عائدات البترول ودخولها الخزينة العامة بانتظام والاستفادة منها على الفور فى الأولويات، خاصة وأن عائدات النفط وفضلاً عن حسن انتظامها شهدت دخول عائدات إيجار أنابيب النفط عقب فراغ الحكومة من سداد استحقاقات الشركات الشريكة وأصبح الأنبوب مملوكاً ملكية تامة لحكومة السودان. كما أن الشركات النفطية باتت تستأجر الأنبوب بما يرفع من العائدات بالعملة الصعبة.
من جانب آخر فإن هناك تدابير ربما كانت غير مرئية بالقدر الكافي لمحاربة المضاربات فى الدولار إذا علمنا بوجود ثقافة اقتصادية خاطئة تجعل من تعامل الكثيرين مع الدولار باعتباره مستودعاً للقيمة حيث يحتفظ الكثير من الناس بالدولار على أمل الاستفادة من ارتفاع قيمته. وهذه الظاهرة وفق الإجراءات التي اتبعها البنك المركزي لم تعد ذات جدوى ولهذا فقد سارع العديدين الأيام الفائتة للتخلص من ما يحتفظون به من دولارات وقد راعهم توالي انخفاضه، وربما أدرك هؤلاء أنهم لا يستطيعون من هنا والى المستقبل معرفة ما إذا كانت من الحكمة الاحتفاظ بالعملة الصعبة فى ظل الخطوات العملية التي تقوم بها وزارة المالية والبنك المركزي أم أن من الأفضل -تجنباً للخسائر- الخروج من سوق المضاربة بكل ما فيه من مخاطر؟
من جانب رابع فإن الطريقة الجديدة التي أدارت بها الحكومة السودانية عمليات الصادر فى الفترة الماضية أسهمت هي الأخرى فى تحسين وضع الجنيه السوداني حيال الدولار وليس ببعيد عن ذلك عمليات صادر الهدي إلى المملكة العربية السعودية العام الحالي فى موسم الحج حيث تمكنت الحكومة السودانية من تصدير كمية معتبرة من الهدي فى توقيت مناسب جنت بعده عائدات صادر ممتازة بالعملة الأجنبية وهكذا فقد ثبت وعبر وسائل عملية على الأرض أن معالجة بعض تشوها الاقتصاد السوداني ممكنة، فقط المطلوب قدر من الحكمة والصرامة ووضع الهدف نصب الأعين.
ولهذا فإن وزير المالية السوداني والذي كان على ثقة من ما اتخذته وزارته من إجراءات، ونصب عينيه البرنامج الخماسي كان يدرك هذه الحقائق وفق تقديرات الخبراء الاقتصاديين الذين وضعوا تلك الحزم وفى أذهانهم إن الأمر واصل لا محالة إلى غاياته. وتلك هي المثابرة التي على أساسها سوف تتأسس عمليات إدارة الاقتصاد السوداني في المرحلة المقبلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة