ثمَّ ماذا بعد انتهاء جلسات المؤتمر العـام؟!

انفض المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني وعاد المؤتمرون لمناطقهم وقواعدهم، والملاحظ في كل المؤتمرات والتكوينات من القاعدة للقمة أن الاهتمام انصب فيها على التصعيد والمصعدين والتنافس في شغل المواقع، أما القضايا الأخرى على اهميتها فقد وجدت اهتماماً أقـل، وفي الجلسة الختامية قرأ مقرر المؤتمر العام دكتور محمد مختار التوصيات والقرارات التي نأمل أن تطبق وألا تصبح حبراً على ورق. وفي الأيام العادية يظل مقر القيادة الاتحادية للحزب في حالة حراك وتحيط به العربات الفارهات، أما دور الحزب في المستويات الأقل لا سيما في الولايات والمستويات الأدنى فلا يوجد فيها في الأيام العادية إلا العاملون فيها، أما بقية المواطنين فلا شيء يربطهم بها، فإذا كان لأي مواطن أمر يخصه فإنه يتجه للمكتب الحكومي المختص ولا شأن له بدار الحزب التي لا تنشط إلا عند عقد المؤتمرات وإعادة تشكيل اللجان، أو عند استقبال مسؤول كبير أو في أيام ــ أو بالأحرى ــ موسم الانتخابات أما في بقية الأيام وشهور السنة فإنها تغدو في حالة بيات شتوي سياسي، ولكن توجد في كل مستوى من المستويات التنظيمية مجموعة متنفذة تضمها حلقة ضيقة تنتمي لمكاتب المعلومات، ويعتبر المنتمون إليها من أهل الحل والعقد، ويوجد في كل مستوى من المستويات عدد من المفرغين للعمل في المنظمات الشبابية والطلابية والنسوية التي تحمل مسميات عديدة، وتجد هؤلاء وأولئك في حالة اجتماعات تنظيمي، وهذه الشريحة تمتد أفقياً ورأسياً وهي همزة الوصل بين أجهزة الدولة والتنظيم، أما بقية القواعد فهي مجرد قوائم مليونية مسجلة على الورق وتستنفر فقط في الحالات التي ذكرتها آنفاً عند عقد المؤتمرات التنشيطية أوإعادة تكوينها أو عند استقبال كبار المسؤولين أو عند الحاجة لهم في أيام الانتخابات.
وفي عام 1992م عين محافظون تعييناً سياسياً في كل المحافظات بأرجاء القطر المختلفة، وعين بعضهم محافظين برئاسة حكومات الولايات، وفي المراحل الأولى من تلك التجربة كان جُل مهام المحافظين سياسية تعبوية أمنية، أما في المجالات الأخرى فكان الواحد منهم مثل عمدة بلا أطيان، إذ لم تكن بين أيديهم ميزانيات وأموال كافية موجهة للتنمية والخدمات، ولكن لهم بنود للتبرعات وبعض الأجندات الأخرى. وآن الأوان لأن ينصرف الجميع للعمل والإنتاج والحد من التفرغ ليمارسوا مناشطهم الأخرى في فضول أوقاتهم بعد اداء أعمالهم الرسمية. والمؤسف أن الحكومات المحلية قد أُهملت وأضعفت وأُفرغت سلطاتها من محتواها، وتبعاً لذلك جمدت طاقات القيادات الشعبية الفاعلة القاعدية والوسيطة التي مرنت على العمل الخدمي ورتق النسيج الاجتماعي والمساهمة في التنمية المحلية، ونأمل أن تعود الحكومات المحلية بشقيها الرسمي والشعبي لتؤدي المهام الحيوية التي كانت تقوم بها. حيث أن الاستقطاب السياسي الذي كان يتم بطريقة الغاية تبرر الوسيلة قد أحدث بكل أسف هزة وخلخلة وسط القواعد بسبب المحاصصات الجهوية والقبلية في توزيع المناصب وقسمة السلطة، وبدلاً من أن يحدث تقدم للأمام يؤدي لمزيد من التمازج والانصهار القومي حدث تققهر للخلف، وأخذ كثير من الانتهازيين والوصوليين يلجأون لقبائلهم لا لخدمتها والتواصل بين أفرادها ومد جسور التعامل الطيب مع الآخرين من القبائل الأخرى، ولكنهم اتخذوا من قبائلهم وسائل وسلالم للوصول للسلطة والجاه والمال، وكانوا ينظمون ويقودون وفوداً من قبائلهم للتأييد والبيعة انتظاراً لصرف الفواتير المتمثلة في اعتلاء المواقع، ولا بد من استئصال هذا الداء الوبيل، مع ضرورة رفع رايات الجماعية للقضاء على مثل تلك النزوات  التي تبدأ فردية ثم تنداح دائرتها «والنار دائماً تكون من مستصغر الشرر»، وقد أدركت القيادات الإنقاذية خطأها في هذا الجانب «التسوي بي إيدك يغلب أجاويدك»، وحسناً فعلوا باعترافهم والرجوع للحق فضيلة، وقد ترهل الجهازان التنفيذي والتشريعي بسبب هذه المحاصصات الجهوية والقبلية لاستيعاب أكبر أعداد ممكنة وخلق وظائف لهم بأية صورة ولو بتفتيت بعض المصالح والوزارت، وأدى هذا لضعف الأداء في كثير من تلك المواقع مع إسقاط هيبة السلطة فيها، وآن الأوان أن تؤول المواقع لأهل الكفاءات والقدرات والأمانة والورع. وهناك سؤال كبير يدور عن كيفية تدوير الأموال، وعن العلاقة في هذا الجانب بين الدولة والحزب الحاكم، وقد استوقفتنا كثيراً الأسرار والتصريحات التي أدلى بها بعض الذين كانوا من شاغلي المواقع التنفيذية الولائية والوزارية والحزبية والتنظيمية لأمد طويل، وهي تصريحات قابلة للخطأ والصواب، ولكنها تحتاج لإجابات تميط اللثام عما غمض فيها. وغني عن الذكر أن السودان لكل السودانيين وهو ليس حكراً لمنسوبي حزب واحد، لأن للآخرين حقوقاً أصيلة فيه، ولذلك لا بد من مد الجسور معهم، وعلى أولئك التعامل بعقلانية ومعرفة أوزانهم الحقيقية الراهنة واستعداداتهم وقدراتهم الحقيقية، وقراءة الأوضاع الماثلة قراءة صحيحة للتعامل معها بواقعية بلا شطط وتصورات خيالية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة