الصادق المهدي وإدمان التجارب الفاشلة!

 

تطاولت الأسابيع والأشهر بالسيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وهو فى الخارج. وإذا جاز لنا أن نحسب فترة الشهرين أو تزيد قليلاً التي قضاها الرجل حتى الآن فى منفاه الاختياري فإن المهدي فى الواقع لم ينجز شيئاً ذا بال. إذ انه على صعيد التسويق لوثيقة باريس البائسة فإن كل محاولات المناداة على بضاعة باريس وتخفيض قيمتها لم تنجح فى إجتذاب المشترين.

وكما هو معروف فإن الجامعة العربية وبمنتهى البساطة تجاهلت الوثيقة ولم تقترب منها ولو بمقدار متر واحد على الرغم من أن أمين الجامعة نفسه نبيل العربي كان قد التقى المهدي وتباحث معه لوقت غير قليل قبل أن ينفض يده من شراء الوثيقة الفاقدة للمواصفات.

الاتحاد الأوربي هو الآخر ورغم انحيازه (سراً) للجبهة الثورية لم يكن حاله بأفضل من أمين الجامعة العربية. على الصعيد المحلي فإن الواقع السياسي الماثل حالياً في السودان سرعان ما تجاوز الوثيقة وألقاها تلقائياً وراء ظهره . بل وحتى حزب الأمة نفسه هنا بالداخل لم يعد يستسيغ إيراد ذكر الوثيقة على لسان قادته! ولهذا فإن السؤال المنطقي يظل فارضاً لنفسه على ارض الواقع، ما الذي حققه إذن المهدي من كل هذا الحراك الذي ثبت أنه فاقد للجدوى السياسية ولم يحظ بدارسة جادة للنتائج والمترتبات؟

إذا أردنا الإنصاف، فإن المهدي فى الواقع لم يفعل سوى أنه (عزل) قادته السياسية عن مجمل الوضع السياسي الراهن فى السودان، ففي العمل السياسي هناك قاعدة ذهبية مفادها أن الابتعاد عن أرض الملعب ولو لثواني يفقد السياسي القدرة على فهم واستيعاب مجريات الأمور ومن ثم يفقده القدرة على التعاطي مع المعطيات الماثلة.

السيد الصادق المهدي في الوقت الراهن لم يعد قادراً على إدراك ما يجري على الأرض. من جانب آخر فإن الحزب نفسه، أي حزب الأمة الذي يتزعمه سرعان ما خبت أضوائه وانحسر عنه الضوء وخفت صوته، وهذا الوضع -تاريخياً- يؤشر إلى أن الكثير من قادة الحزب بالداخل يساورهم شعور بأن المهدي لم يعد الزعيم القادر على العبور بمركب الحزب بالطريقة المطلوبة، ففي اللحظة المهمة الفارقة اختار السلامة والابتعاد عن الحزب مفضلاً التجوال فى الخارج!

من جانب ثالث وهذا أغرب ما في التجربة بكاملها أن المهدي اثبت انه لا يمل تكرار الأخطاء والتجارب غير المجدية فكم هي عدد المرات التي خرج فيها السيد الصادق إلى خارج السودان وهو يعتقد -بيقين جازم- أنه وبمجرد خروجه سوف يسقط النظام على الفور؟

لقد بدأ المهدي هذا المشوار المضني وغير المنتج منذ سبعينات القرن المنصرم فى العهد الماضي، ثم قام بتكراره عقب ثورة الإنقاذ الوطني فى 30 يونيو 1989 ثم رحلته الشهيرة التي اسماها (تهتدون) والتحق خلالها بالتجمع الوطني. فى كل هذه الرحلات الخارجية لم يكن الصادق يحقق شيئاً ومن المؤكد أن المهدي كان بهذا المسلك يطبق المقولة الشهيرة لعالم الرياضيات الأمريكي الشهيرة (ألبرت اينشتاين) والتي مفادها انك إذا كانت تفعل ذات الشيء بذات الطريقة وتتوقع نتائجاً مختلفة فأنت أحمق.

وعلى كل فإن السيد الصادق ربما بدأت الأرض حتى في منفاه الاختياري ذاك تهتز أمامه، إذ من المؤكد أن الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس البشير إلى القاهرة لن تدع الرجل يهنأ بمنفاه هناك بعد الآن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة