واحدة من كبريات مفارقات الاحزاب
المعارضة في السودان انها تعيش على الماضي، لا تنسى ما جرى فيه ولا تتعلم -
ولو لمرة واحدة منه- فعلى سبيل المثال هناك الآن حراك تنظيمي شديد الضجة
والسخونة داخل أرجاء حزب المؤتمر الوطني حيث يعقد الحزب مؤتمراته الوظيفية
المختلفة فى طول وعرض السودان تمهيداً لمؤتمره العام المقبل والوشيك ومع كل
ذلك -ورغم كل هذا الحراك- فإن الاحزاب السياسية المعارضة تتفرج وربما
تتحسر على قدرة الوطني التنظيمية الجيدة وممارسته الداخلية وتوافقات
قياداته حيناً، وخلافاته حيناً آخر ليصب الامر في خاتمة المطاف لصالح تطور
الحزب وممارسته الديمقراطية.
لا تفعل الاحزاب السياسية شيئاً سوى التحديق وتعزية النفس وتسريتها بأن
(الانتفاضة) قادمة لا محالة! مع أن واحدة من أكبر أدواء هذه الاحزاب فراغ
هياكلها، ومجانبتها للديمقراطية والتنظيم وفقدان التجانس والرؤى المشتركة.
والغريب فى هذا الصدد ان هذه الاحزاب المتفرجة ما تلبث حين يحين أجل
الاستحقاق الانتخابي -بعد شهور- أن ترفع عقيرتها بالتزوير ومزاعم عدم
النزاهة!
إذا كان المؤتمر الوطني ظل ومنذ أشهر يجدد خلاياه وينظف جسده ويقوّم كل
أطرافه ويعد نفسه جيداً -بهدوء وروية- للإنتخابات العامة بينما هذه الاحزاب
تمني نفسها بالانتفاضة والفترة الانتقالية، فكيف يُلام حزب يستعد لكل طارئ
ويتحسب لكل موقف؟ وكيف لهذه الاحزاب الغارقة فى فشلها التنظيمي ان تعتقد
أنها ستحرز نتائجاً باهرة فى انتخابات لم تستعد لها ولم تعد لها؟
كيف لطالب لم يستذكر دروسه أن يتوقع رسوب الآخرين الذين استذكروا درس
اليوم باليوم وسهروا الليالي واجتهدوا غاية الاجتهاد ويتوقع نجاحه هو؟
لنفترض ان الحوار الوطني -لأي سبب- لم يثمر أو لم يصل الى غاياته، هل معنى
ذلك ان تتوقف عجلة الحياة السياسية عن الدوران؟ وإذا كان الحزب -أي حزب- هو
في الاصل منظومة تهدف الى الوصول الى السلطة، فما الذي يمنعه من ان يعد
نفسه لأسوأ الظروف؟
ما هو الحائل الذي يحول دون أن تتحرك الاحزاب المختلفة لترتيب وتنظيم
نفسها والبحث عن منسوبيها القدامى مراجعة معاقلها السابقة والاستعداد
للإنتخابات العامة المقبلة؟ وأن تضع فى اعتبارها وكأن الحوار الوطني لم
يطرح أصلاً؟ لماذا لا تكون أحزابنا السياسية على قدر التحديات والمصاعب
مهما بلغت درجتها باعتبارها كيانات سياسية مطلوب منها العمل فى كل الاجواء
وبشتى الطرق.
من الذي قرر ألا تعمل الاحزاب السياسية إلا على (أرض ممهدة)، (معبدة) مع
وجود إنارة على جانبي الطريق، ومحطات تزود بالوقود وإطارات ناعمة وقوية
وأسفلت ناعم، وبلا شرطة مرور؟ إن أحزاباً لا تجيد العمل في كل الظروف ولا
تجيد التكيف مع هذه الظروف هي احزاب (غير منتجة)، وهي أحزاب تريد ان تتوج
(ملكة) على عرش الديمقراطية بدون جهد ولا نضال ولا حتى قدرات!
ولهذا فإن التساؤل يظل قوياً وقائماً عن (لياقة) هذه الاحزاب للعمل في
السودان وهو بلد يمكن اعتباره (منطقة شدة) والذي لا يستطيع العمل فيه
وينتظر الآخرين لكي يمهدوا له كل شيء هو دون أدنى شك حزب لا أحد يريده!
تعليقات
إرسال تعليق