توالي خسائر المهدي جراء إعلان باريس!

لم يقف سوء الحظ السياسي بالسيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي عند حدود فشله فى حشد الدعم لإعلان باريس، الذي انشقت الارض وابتلعته قبل حتى أن يصل الى مسامع البعض! سوء حظ المهدي امتد حتى جاء اتفاق المبادئ فى العاصمة الاثيوبية أديس ليقوم بتسوية قبر اعلان باريس تسوية تامة بتراب ناعم ويزيل عنه الشاهد الموضوع على حافة المقبرة!

وبوسعنا ان نجزم ان الحسرة قد أحاطت بالمهدي وهو فى منفاه لكونه لم يتريث ولم يصبر قليلاً فلو أنه فعل لكان اعلان أديس الآن بمثابة مخرج آمن للرجل طالما أنه كان حريصاً -لسبب غير معروف- على ضرورة الحاق اصدقائه فى الجبهة الثورية بالحوار الوطني!

وربما أدرك المهدي الآن وبعد فوات الاوان تماماً ان قادة الجبهة الثورية الذين بادلوه الضحكات وطلبوا منه بإلحاح ان يقول لهم (آخر نكتة) لينفجروا ضاحكين جراءها، أن أولئك القادة الاقل سناً وأقل خبرة منه، بل وأقل منزلة سياسية لم يكونوا يضحكون له وإنما كانوا في الواقع يضحكون عليه!

وكانت لهم أسبابهم ودوافعهم الموضوعية وهم يوقعون معه تلك الاوراق عديمة القيمة، فمن جهة أولى: يضعون الرجل فى مقعد بعيد جداً عن المؤتمر الوطني حتى يضمنوا أنه لن يكون مرجحاً لكفته حينما تحين ساعة الجد إذ أنهم يدركون إدراكاً عميقاً ان المهدي يطرح أطروحات سياسية قريبة بما يكفي من أطروحات الوطني، وهم فى الثورية يتخوفون من مثل هذه الاطروحات، لأنها ببساطة تجعل الغلبة لأوئك، وتبور بضاعتهم!

لقد كان قادة الثورية من الخبث والدهاء بحيث أبعدوا المهدي عن مقعده السياسي الطبيعي ونجحوا -ولو تكتيكياً- في إنقاص وزنه! ومن جهة ثانية، فإن قادة الثورية ونظراً لوزنهم السياسي المماثل لوزن الريشة حيث لا تسندهم جماهير ولا يقف وراءهم شعب كانوا فى حاجة ماسة (لزيادة وزن) ولو ظاهرياً وقد تخيروا حزب الامة القومي وباعتباره الاعلى نسبة فى آخر انتخابات أجريت في العام 1986 ليقولوا إن كل شعب السودان القديم -ما قبل يونيو 1989- في معيتنا وفى جيبنا!

وهذه الزيادة الظاهرية فى الوزن السياسي -وفق مخيلة قادة الثورية- القصد منها مجابهة الوطني المستحدث سياسياً، بالقوى القديمة التقليدية ذات الرائحة التاريخية بغبارها النفاذ! ولعل المؤلم هنا ان للمهدي عقدة تاريخية هو الآخر لم يستطع الفكاك منها تتمثل في أنه وحتى الآن ما يزال يعتقد انه (صاحب الاغلبية) قبل توقف عجلات التاريخ.

ومن جهة ثالثة فإن الثورية -وفي الغالب هذه فكرة عرمان على وجه الخصوص- يودون (تشريد) المهدي تشريداً سياسياً فى أنحاء المعمورة بحيث يصبح الرجل بمثابة (معارضة خارجية) تتيح لهم الادعاء ان الداخل السوداني مقيد لدرجة ان المهدي نفسه لا يجد السبيل الى ممارسة حياته السياسية داخلياً. وهذه النقطة للاسف الشديد ترجمها المهدي عملياً ونفذها حرفياً وتحول من سياسي وداعية للحوار الى (صقر) محلق فى أجواء باردة لا هو يحتمل جليدها وصقيعها اللاذع، ولاهو قادر على العودة الى دياره ذات المناخ الدافئ!

أما ثالثة الاثافي فإن اعلان بارس نجح في إفقاد المهدي عدداً مقدراً -نحجم هنا عن الكشف عن الرقم الحقيقي شفقة على الرجل- من منسوبي حزبه بولايات كردفان الذين غادروا سياج الحزب الى الأبد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة