الشعبي.. عداوة دائمة!

فى الوقت الذي ظل يرتفع صوت المسئول السياسي للشعبي كمال عمر بالدولة لإسقاط النظام، يرتفع فيه صوت نائب الأمين العام – لذات الحزب – الدكتور عبد الله حسن احمد بضرورة الحوار مع النظام. ثم يعود الدكتور الترابي أمين عام الحزب ليحرض تحالف المعارضة لتبني خيار الإسقاط.
وهنالك فى ألمانيا، يلتقي القيادي البارز بالحزب الدكتور علي الحاج بالنائب الأول للرئيس، الأستاذ على عثمان ويشرع في صياغة مبادأة، أو مبادرة سياسية تؤسس للحوار الذي سرعان ما دعت له الحكومة  وما تزال تدعو له حتى هذه اللحظة.
ترى ماذا يجري داخل الشعبي الذى عرف بقبضة أمينه العام الدكتور الترابي الحديدية على تكتيكات الحزب وتحركاته؟ هل نحن أمام حالة انشطار سياسي غير معلنة أو لم تنضج بعد فى الحزب الذى شهد حالات تساقط متوالية منذ نشوئه فى العام 1999 لم يشهدها حزب مثله فى الساحة السياسة، برحيل أغلب إن لم يكن جل قادته الى الطرف الآخر ونعني المؤتمر الوطني؟
الواقع إن ما يشهده الشعبي هذه الأيام نتيجة طبيعية لطريقة إمساك الدكتور الترابي بالأمور وتمحور الأشياء كلها ودورانها حوله – وهي ذات النتيجة لمفارقات التاريخ وسخرياته – التى أفضت الى المفاصلة الرمضانية الشهيرة فى العام 1999م ولعل الأدهى وأمرّ أن إحدى أكثر معايب الدكتور الترابي السياسية والشخصية فى آن واحد أنه ربما ينحى منحى شخصياً فى الأمور إذ لا ينكر إلا مكابر أن كل خصومته الحالية مع الوطني قامت على فرضية (روح الجماعة) ونزع سلاح الانفراد بالقرار والمنح والمنع.
ولن تنتطح عنزتان حول أن دكتور الترابي يعارض الآن فقط من أجل (الانتصار لنفسه) حين يرى خصومه الذى فقدهم وقد خرجوا من السلطة. وربما كان هذا يفسر إستدراك الدكتور على الحاج -عقب لقائه الشهير بالأستاذ على عثمان فى ألمانيا- إن لقاؤه ذاك كان فى سياق اجتماعي وأنه مع كونه جزء من الشعبي إلا انه لم يكن يمثله حينها وهو أمر عصيّ على أي مراقب أو محلل سياسي أن يستوعبه، فالشخصي فى المضمار السياسي لا يعتبر شأن شخصي، وهو فى خاتمة المطاف شأن سياسي مهما تنصل منه المتنصلون.
من المؤكد أن الدكتور الترابي –بطريقة من طرقه المعروفة– مارس سلطته الجبرية على نائبه، الدكتور علي الحاج، وقلل من حراكه السياسي ذاك وهذا بالضرورة –ونكرر بالضرورة– ما سوف يفضي فى النهاية الى اضطرار د. على الحاج لمبارحة سفينة شيخه والالتحاق بالمركب الوطني عاجلاً أم آجلاً، تماماً كما فعل الدكتور الحاج آدم نائب الرئيس الحالي وكما فعل الأستاذ محمد الحسن الأمين البرلماني المعروف.
ولن نكون فى عداد المتشائمين إن قلنا، إن الشعبي وان تقارب بدرجة ما مع الوطني فى أي مرحلة من المراحل منفرداً أو من خلال وجوده فى التحالف المعارض، فإن الدكتور الترابي سيظل عصياً على التسوية أو الحوار ليس فقط لما يطرح من شروط غير واقعية ويعلم عدم واقعيتها؛ وإنما أيضاً لأمور ما تزال تعتمل فى نفسه ويصعب عليه تجاوزها بالنظر الى طبيعته البشرية التى فجع فيها العديد من تلاميذه وحوارييه قبل أن يلاحظوها بوضوح فى المحك العملي وممارسة السلطة.
من جانب آخر فإن التاريخ على ما يبدو يأبى أن يسجل للشعبي ممارسة سياسية تستقيم على الأقل والظل السوداني الوارف بتقاليد التسامح والتجاوز، وليس من المعتاد فى حزب كهذا، متماثل الأطروحات مع الوطني أن يفجر في خصومة سياسية هي بالتأكيد لن تضير الوطني بقدر ما قد تلحقه من أضرار جسيمة بالشعبي تنفسه فالمتغيرات فى السياسة ليس فيها عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، الشعبي أحال هذه المقولة الذهبية الى قاعدة بالغة الغرابة فحواها أن السياسة (عداوة دائمة)!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة