فك الارتباط.. مصداقية جوبا على المحك!

من السهل على الحكومة الجنوبية -سواء بحسن نية أو بسوء نية- أن تقول أنها قد فكت ارتباطها بالحركة الشعبية قطاع الشمال، ففي النهاية فإن القول باللسان لا يكلف شيئاً، ولكن هل يصلح ذلك ويكفي لترجمته عملياً على أرض الواقع؟
هذه فى الحقيقة هي أم المعضلات فى الشأن السوداني الجنوبي فمجرد القول بفك الارتباط لا يعني أي شيء، فقد رددت جوبا هذا القول منذ العام 2011 وما فتئت تردده فى كل مناسبة بينما يشي الواقع بشيء آخر تماماً، إذ انه وعوضاً عن العديد من الأدلة والشواهد التى لا تحتاج الكبير عناء لإدراك وجود هذا الارتباط وبقوة، فإن منظمة دولية مقرها جنيف أوردت تقريراً ضافياً وتفصيلياً مؤخراً أكدت فيه أن قطاع الشمال والمتمردين بجنوب كردفان يتلقون تسليحاً ودعماً لوجستياً مستمراً من الحكومة الجنوبية.
وقالت المنظمة التى تدعى (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة) فى تقريرها أنها أجرت دراسة متأنية استقصائية ثبت لها من خلالها أن متمردي جنوب كردفان يتلقون الغذاء والوقود والسيارات العسكرية وكافة أشكال الدعم الجنوبي من الحكومة الجنوبية بانتظام .
ليس ذلك فحسب ولكن الدراسة كشفت عن وجود معسكرات للمتمردين، خاصة فى ولاية غرب بحر الغزال. وهكذا وبخلاف أدلة إضافية أخرى يملك الجيش السودانية أرتالاً وتلالاً منها، فإن جوبا لم تفصم بعد عرى العلاقة بينها وبين قطاع الشمال عسكرياً وسياسياً ومادياً، وقد أشار وزير الدفاع السوداني الفريق أول عبد الرحيم حسين الى هذه الحقيقة -بوضوح تام - ضمن تقرير مطول قدمه للبرلمان السوداني أواخر الأسبوع الماضي حيث أكد أن جوبا ما تزال – حتى اللحظة – تقدم الدعم لقطاع الشمال ولم تفك ارتباطها به.
إذن يا ترى ما الحل؟ هل يمكن القول إن جوبا غير قادرة على فصم عرى هذه العلاقة حتى وإن أرادت بسبب تعقيدات تاريخية تصعب معالجتها بين عشية وضحاها؟ أم أن جوبا -ورغماً عن إبدائها لقدر كبير من الجدية والإرادة السياسية لحلحلة خلافاتها مع الخرطوم- حريصة على الاحتفاظ (فى جيبها الخلفيّ) بورقة قطاع الشمال لدواعي إستراتيجية خاصة بها؟
أم أن الحكومة الجنوبية نفسها تعاني اختلالاً فى المواقف والقرارات ووجهات النظر بحيث يصعب على الرئيس كير إنفاذ قراراته ومتابعة تنفيذ التزامات وتعهدات حكومته بفعل وجود عناصر مناوئة له سواء داخل منظومة السلطة الحاكمة أو فى الجيش الشعبي ؟
أو ربما كانت كل هذه الافتراضات -فرادى ومتجمعة- واردة، فقد شهدنا كيف استعصى تنفيذ اتفاق التعاون المشترك منذ سبتمبر الماضي وحتى مارس 2013 لأسباب تعود في غالبها لوجود مخالفين فى الرأي للرئيس كير خاصة فى الجيش الشعبي اضطر معه لإقالة عدد منه قبل أشهر خلت.
فكيف إذن لا تكون قضية فك الارتباط هي الأخرى تواجه عقبة مماثلة من بعض ضباط كبار فى الجيش الشعبي سواء لأسباب تخصم أو لأسباب تاريخية أو قبيلة؟
غير أنه ومع كل ذلك فإن من الضروري إنشاء آلية مشتركة بين الدولتين واسعة الصلاحية لتفعيل عملية فك الارتباط. ولا نغالي لا نبالغ إن قلنا أن عملية فك الارتباط قد تبدو مستحيلة تماماً -مهما اجتهد الجانب الجنوبي فيها- إذا لم تتم بعمل آلية مشتركة بين الجانبين، بحيث تجري عمليات التسريح وإعادة الدمج وفي ذات الوقت تتخذ جوبا قرارات واضحة توقف بها صرف المرتبات والترقيات وآليات السيطرة.
الآلية المطلوبة هذه تستلزم أن يشرف عليها -لضمان حسن التنفيذ- رئيسيّ البلدين وذلك ليس فقط لخطورة استمرار الارتباط ونتائجه السالبة على مجمل اتفاق الدولتين؛ ولكن لأن هنالك بالفعل من سيعملون على تعويق هذه العملية من الجانب الجنوبي فى ظل وجود ضباط وجنرالات كبار فى الجيش الشعبي ينتمون الى أصول تنحدر من المنطقتين - جنوب كردفان والنيل الأزرق - وهما المنطقتين اللتين تتمركز فيهما الفرقتين 9 و10، الأكثر تأثيراً على مجريات الأمن القومي للدولتين!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة