منذ
انفصال الجنوب فى يوليو من العام 2011م، ظَلّ ارتفاع أسعار الدولار هاجساً
يؤرق الإدارة الاقتصادية بالبلاد، التي تارةً تهدد بمحاربة تجارة العملة
والمضاربين في الدولار وتتوعّدهم بعقوبات رادعة، وأحياناً تتوعدهم بضخ
كميات كبيرة من الدولار حصلت عليها من دول صديقة أو شقيقة، وأحياناً تؤكد
أن الاحتياطي من النقد الأجنبي في حد الأمان وكافٍ لتوفير احتياجات البلاد
من السلع والخدمات لمدة ثلاثة أشهر.. وكل تلك التصريحات من الإدارة
الاقتصادية بالبلاد على مستوى وزارة المالية وبنك السودان لديها انعكاساتها
السلبية والإيجابية على اسعار الدولار التي تنخفض تارةً وترتفع تارةً
اخرى، بينما ظلت اسعار السلع الأساسية تواصل ارتفاعها باستمرار نتيجة
لأسباب عديدة في مقدمتها ارتفاع اسعار الدولار، وضعف الإنتاج، ومضاربات
التجار والممارسات الخاطئة من احتكار وافتعال للندرة، وضعف الرقابة على
الأسواق المحلية.
ولكن
بعد توقيع اتفاق التعاون الشامل بين السودان وجنوب السودان الخميس الماضي
بأديس أبابا استجابت سوق النقد الأجنبي بالبلاد لتداعيات هذا الاتفاق
بانخفاض فوري في أسعار الدولار بالسوق الموازي، كما طبّق بنك السودان
المركزي تخفيضاً آخر في أسعار الدولار الرسمي بالبنوك والصرافات ليواصل
الدولار انخفاضه بالسوقين الرسمي والموازي وتتقلص الفجوة بين السوقين إلى
نحو (10) قروش، كما انخفض الدولار بنسبة (30%) من حجم المضاربة التي يتحرّك
فيها المضاربون في سوق الدولار، ويتوقع أن تزول الفجوة بين السعرين الرسمي
والموازي بعد التطبيق الفعلي للاتفاق ودخول عائدات رسوم عبور نفط الجنوب
في الاقتصاد الوطني بواقع (200) مليون دولار شهرياً خلافاً لعائدات التبادل
التجاري مع الجنوب.
وهنا
يبزر سؤال يبحث عن إجابة.. ما بعد انخفاض الدولار.. هل ستنخفض أسعار السلع
طالما الدولار كان سبباً في ارتفاعها..؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو سهلة
من وجهة نظر اقتصادية تقوم على حسابات واقعيّة ونظريّة تحليلية لمؤشرات
انخفاض الدولار، لتصبح الإجابة نعم: ستنخفض الأسعار وفقاً لمؤشرات انخفاض
الدولار نفسه، حيث إنّ هذا الانخفاض في الدولار يؤشر إلى أن أسباب الغلاء
انتفت، وأسباب المضاربات في الدولار انتهت، وأن أسعار الدولار ستستقر في
مستوياتها الحقيقية كما حددت في الموازنة بنحو (4.40) جنيهات، كما أنّ
التضخم سينخفض مما يؤشر لخفض الأسعار، كما أن الانتاج الوطني سترتفع
معدلاته مما يؤدي لزيادة الصادرات وتحقيق الاكتفاء الذاتي، واحلال الواردات
وزيادة موارد النقد الاجنبي، كما انه ايضاً مؤشر لاستقرار سعر الصرف وتدفق
الاستثمارات الاجنبية ومؤشر لقراءة المستقبل وامكانية التنبؤ بهذا
المستقبل.
إذاً
انخفاض الدولار له ما بعده بانخفاض أسعار السلع وتدفق الاستثمارات
الاجنبية وزيادة الانتاج والصادرات وإحلال الواردات الى جانب التفاؤل
بمستقبل يمكن تشكيله بمدى انسحاب هذا التفاؤل على اي شخص ومن قبل على
الدولة التي تدير الاقتصاد.
تعليقات
إرسال تعليق