المهددات الحقيقية للحل السياسي الشامل!

بالطبع لن يكون الأمر سهلاً وميسوراً، أن يلتئم شمل القوى السودانية السياسية بالسرعة المطلوبة وبالمعطيات والمواصفات المرغوبة؛ وهذا مرده ليس فقط لوجود قوى سياسية معارضة تنظر الى أبعد من موائد الحوار وقاعاته وترغب فى أن تخلو لها الساحة من خصمها اللدود المؤتمر الوطني، ولكن لأن هنالك قوى خارجية هي من الأساس من عملت على تأزيم الأزمة بأكثر مما هي عليه إذ لم يحدث في التاريخ السياسي السوداني الحديث والقديم أن احترب السودانيون بكل هذا القدر ممن السفور والحدة والمبالغة فى العداء والخصومة.
ولهذا فإن المهددات التى تجابه العملية السلمية الشاملة التى بدت نذرها فى الأفق عديدة وقد لا تقع على حصر، نشير الى بعضها هنا، على سبيل المثال فقط وليس الحصر.
يأتي فى مقدمة هذه المهددات الاعتقاد الخاطئ –لدى بعض القوى الدولية ودول الإقليم المجاور – إن من الضروري إخراج القوى السياسية الحاكمة وفي مقدمتها المؤتمر الوطني ليس من السلطة فحسب ولكن من مجمل المعادلة السياسية العامة مخافة ترسيخ الطابع الإسلامي فى المنطقة فى ظل ما أفرزته ثورات الربيع العربي التى جاءت مخيبة لآمال الكثيرين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
بمعنى أكثر دقة ومباشرة فإن المقصد الأساسي من إثارة المتاعب واشتعال الحروب والنزاعات الحالية فى السودان وتغذيتها ودعمها دولياً هو الحد من الطابع الإسلامي للدولة السودانية بأي ثمن وليس لأي سبب آخر، وهذه حقيقة من السطوع بحيث لا تحتاج الى دليل وجدت من يساندها ويقف معها بقوة من أحزاب وساسة سودانيين.
فإن كان الهدف (المستتر) هو تفكيك الثقافة والأرضية الإسلامية للسودان والاستعاضة عنها بعلمانية الدولة وفصل الدين عن الحياة كما ورد فى بالنص وبصورة صريحة فى وثيقة الفجر الجديد فإن هذا يعتبر مهدداً هائلاً ليس فقط على العملية السلمية الشاملة وإنما لمجمل وجود الدولة السودانية وإمكانية انزلاقها فى نموذج الصومال البغيض.
من المهم جداً أن يكون مقتضى الحوار التفاهم على الكليات السياسية والإستراتيجية للدولة، والعناصر الضرورية اللازمة لبناء ديمقراطي حقيقي لا تقتصر على وسائل التداول السلمي للسلطة وإنما تشمل كافة المعينات الداعمة للممارسة الديمقراطية من وجود ثوابت وطنية وأطروحات عامة متفق عليها وإبعاد العنصر الخارجي من اللعبة تماماً.
المهدد الثاني أن يستغل البعض السانحة (لتصفية حسابات سياسية قديمة) فالخيط هنا رفيع ما بين إمكانية إجراء معالجات تصحيحية لظلامات سبقت وما بين الإمعان فى ملاحقات ذات طابع يغلب عليه الاقتصاص الأعمى والتشفي السياسي الموغل في الثأر والتنكيل.
فى العادة فإن الحوار الوطني القصد منه تجاوز الماضي وأخذ عناصر الحاضر وتطويرها لصالح المستقبل، وهذا ما يحتم أن يتخلص البعض من ترسبات الماضي بأقصى درجات المسئولية ورحابة الصدر وسعة الفهم .
المطلوب بناء جديد قائم على أسس قوية وليس إهدار الوقت فى هدم القديم؛ ولهذا فإن وقوف البعض في محطات قديمة بحثاً عن أمتعة مفقودة سوف يعيق حركة القطار لا محالة والوقت لا يسمح بذلك، ولا أحد يملك ترف الانتظار والتلكؤ.
المهدد الثالث استمرار ارتباط البعض بروافد أجنبية مهما بدت جدية العلاقة مع السلطة الحاكمة، فقد عانت هذه البلاد كما لم تعانِ أيّ بلاد أخرى من تدخلات الدول الكبرى وبعض دول الجوار الإقليمي من نافذة قوى المعارضة وهي تدخلات لم تكن أبداً ولن تكون فى صالح الجميع لا المعارضة ولا الحكومة، وهذا يقتضي أن يتحلل قادة القوى المعارضة -تحللاً أكبراً- من أي ارتباط خارجي مهما كان نفعه كبيراً عليهم، إذ أن اعتماد القوى المعارضة على (المكون السياسي المحلي) وإمكاناتها الخاصة حتى وإن كان قليلاً أفضل لها مائة مرة من الاعتماد على دعم خارجي، فواتيره السياسية باهظة وعواقبه وخيمة.
فالإمكان بناء أحزاب - عن طريق التدرج المحسوب - بالتوازي مع بناء الديمقراطية ومتطلباتها حتى يمكن أن يتحقق استقرار وطني حقيقي خالي من الشوائب قادر على الاستمرارية والاستدامة.
أما آخر المهددات، فهي الإصرار على الأطروحات الخاصة بكل طرف، فالحوار هذه المرة ليس من أجل (مكاسب خاصة) بكل طرف. إن كان الأمر أمر مكاسب خاصة فليستمر السجال السياسي والعسكري ليكسب فى النهاية من يملك القوة والمهارة اللازمتين.
الحوار من اجل الصالح الوطني الحقيقي فى معناه الشامل الكبير وسوف يتهدد الحوار وينهار إذا نظر كل طرف –بعين حزبية ضيفة –الى ربحه وخسارته وتمترس وراء حساباتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة