أيُّ الكفتين هي الأرجح حالياً في دارفور، السلمية أم الحربية؟
إتفاقية الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة
قد يبدو من على البعد، سواء بفعل الدعاية الغربية الكثيفة، أو بفعل الصدامات العسكرية التى تقع من حين لآخر بين بعض حملة السلاح فى دارفور والحكومة السودانية إن حجم القوى المسلحة التى لم توقع بعد على اتفاقية سلام دارفور أكثر أو أعلي صوتاً من الذين وقعوا. وظلت وما تزال هذه الأكذوبة -وهي في الواقع أكذوبة بكل ما تعنيه- تسيطر وتنطلي على الكثيرين.
لدينا هنا من الشواهد والأدلة التى تؤكد إن كفة العملية السلمية هي الراجحة الآن رغم أن الأوضاع فى الإقليم لم تستقر استقراراً كاملاً أو مرضياً.
أولى هذه الشواهد وأهمها نجاح السلطة الإقليمية لدارفور والحكومة المركزية وربما لأول مرة منذ اندلاع الأزمة – في خلخلة ولو نصف الجزء الخاص بالعقيدة الإعلامية الدعاية الخاطئة المسيطرة على العديد من القوى الدولية الخارجية من أن الأوضاع فى الإقليم كما هي وأن اتفاقيات السلام التى وقعت هي اتفاقات صغيرة وجزئية غير مجدية.
لو لم تتزعزع هذه العقيدة المبنية على أساس خاطئ منذ البداية فى عقول الجهات الدولية لما شاركت على الإطلاق فى مؤتمر المانحين هذا. هنالك بالتأكيد دافعاً مقنعاً دفعها للمشاركة حتى ولو كانت ما تعهدت به جاء مشروطاً، فالشروط في مثل هذه الحالات عادية ومتوقعة حتى ولو كان كل شيء هادئ فى الميدان الغربي!
من الضروري للغاية النظر في مشاركة الدول التى شاركت فى المؤتمر من منظور (توفر قناعات) ولو صغيرة بأن الإقليم فى حاجة الى إعادة إعمار، والحاجة الى إعادة الأعمار بالطبع لا تنشأ فى ظل وضع مأزوم.
شاهد آخر يمكن أيضاً أن ندلل به على تفوق العملية السلمية الحالية فى دارفور على أعمال العنف، وهو أن أحداً لم يعد يطلب من الحكومة السودانية الآن - لا صراحة ولا ضمناً - بأن تتفاوض مع حملة السلاح الذين لم يوقعوا على اتفاق سلام.
عرف الجميع – بما في ذلك غلاة منتقدي الحكومة من القوى الدولية – أن الكرة ظلت وما تزال في ملعب الفصائل المتمردة بأكثر ما هي فى ملعب الحكومة. الحكومة تجاوزت دعوة حملة السلاح للتفاوض، وتوسعت فى العملية السلمية بحيث شرعت فى فتح النوافذ والأبواب كافة للجميع، وليس أدل على ذلك من المناخ المواتي الجاري ترتيبه الآن لحوار وطني شامل.
فى ظل ظروف كهذه من الصعب الزعم أن الحكومة مقصرة تجاه حملة السلاح فى دارفور أو غير راغبة فى التفاوض معهم، وهذا ما بات يجعل من فرضية هدم ما تم بناؤه من عمليات سلمية مع الحركات الموقعة لإقامة بناء جديد فقط لاستيعاب الفصائل الرافضة فرضية مستبعدة وبعيدة المنال وبدأت تتلاشى تماماً من أذهان القوى الدولية، خاصة وأن الجهود القطرية والحماس الدافق للدوحة بات يحظى باحترام إقليمي ودولي متزايد ولا يمكن لعاقل أن يهدم ما أسهمت في تشييده -بكد و جهد- الحكومة القطرية وقارب قطف الثمار مهما كانت الدواعي والدوافع.
أما آخر شاهد فهو ما بدا يتكشف من تباطؤ أو تواطؤ -أو كليهما معاً- فى استجابة قوات حفظ السلام المشتركة فى دارفور (اليوناميد) للحوادث التى تقع، ففي ثنايا مسلكها هذا وكان آخره حادثة اختطاف النازحين تكمن علامات استفهام لا أول لها ولا آخر أقلها أنها لا تؤدي واجبها بالصورة المطلوبة ومن ثم فإن كان ثمة لوم أو نقد فهو على أي حال ليس على الحكومة السودانية؛ وهو ما يُستفاد منه أيضاً أن العمل المسلح ما عاد مجدياً، ومواجهة المتمردين للجيش السوداني أصبحت محل ذعر وتوجس من جانب المتمردين ليدل كل ذلك على أن العمل السلمي يمضي فى تصاعد، وأن خطة الحكومة الهادفة للتوقيع مع أي فصيل راغب هي خطة إستراتيجية لا فكاك منها، إذ من غير المتصور أن يبدي فصيل رغبته فى التفاوض والحوار ويوصد الباب أمامه لمجرد أن في ذلك تجزئة للحلول!
تعليقات
إرسال تعليق