الخاسرون الوحيدون في السودان

الحركة الشعبية قطاع الشمال، والحركات الدارفورية المسلحة أهدروا الكثير من الفرص والسوانح السياسية التاريخية النادرة لعدة سنوات.

الحركة الشعبية أجهضت- بلا إستراتيجية جديرة بالاحترام ولا عقل مستنير ولا رؤية ثاقبة للمستقبل- أكثر من (6) جوالات تفاوضية عقدت في أديس أبابا كانت الفرصة مواتية خلالها لتسوية سياسية جيدة.
لم تكن حينها مخرجات الحوار قد نضجت ولم تكن الجبهة الداخلية بالمتانة والقوة الراهنة ولم يكن مشروع العصيان المدني الفاشل قد طرح ليؤكد لهم أن شعب السودان (سيد قراره) وألا أحد يحرضه أو يدفعه للقيام بعمل لصالح آخرين!!
كل الظروف السابقة في الجوالات السالفة كانت الأفضل للحركة الشعبية قطاع الشمال، فقد كان متاحاً أمامها أن تسوي قضاياها وتحصل علي ما هو متاح قبل أن تفقد بعض عناصرها الذين عادوا وتركوها وقبل أن تفقد بعض معاقلها الحصينة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وقبل أن يصبح مشروع الحوار الوطني رؤية وطنية جامعة ووثيقة تاريخية بعض  عليها السودانيون بالنواجذ.
الحركات الدارفورية المسلحة هي الأخرى ليست بأفضل من الحركة الشعبية بل تكاد تتفوق عليها في الهزيمة الماحقة والفشل والانهيار- ليست هنالك الآن في ميدان القتال حركة دارفورية واحده يؤبه لها أو ذات وزن.
أهدرت هذه الحركات سوانح عديدة في أبوجا وأبشي والدوحة – السلطة  الإقليمية التي استمرت لحوالي (6) سنوات وحققت ما حققت في ميادين التنمية والخدمات لم يكن لهذه الحركات فيها أي سهم.
لاهي ساعدت في إعادة الأعمار والبناء والتنمية لصالح أهلها في دارفور ولاهي ظلت قوية متماسكة ذا وزن قادرة علي الحرب والمنازلة.
هذه الفرص التاريخية المهدرة لم يقف أثرها المدمر علي واقع هذه الحركات الحالي بل تعداه إلي مستقبلها، فهي الآن لم تعد بذلك البريق القديم، بذات الصولة والجولة والوزن السياسي والقتالي الباعث علي الرهبة.
مجرد مرتزقة امتهنوا مضمار المقاولات الحربية في غابات الجنوب والصحراء الليبية صاروا يتدبرون حياتهم بممتلكات الآخرين وبما يجدونه من حوادث قطع الطريق.
من الطبيعي إذن – حتي ولو عادوا اليوم أو غد وارتضوا السلام – أن يكونوا في (المقاعد الخلفية)، هنالك حيث لا بريق ولا وزن! ويعود ذلك كله لقضية مهمة، وهي أن حمل السلاح في العادة أمر تكتيكي طارئ ينتهي علي الفور بمجرد انفتاح أي كوة للتفاوض والحل السلمي.
ما من عاقل عرف في التاريخ حقق بسلاحه الوصول إلي متباه الاستراتيجي الكبير بالجلوس علي كرسي السلطة وحتي لو حدث في أي بلد فإنما يتم بمساندة شعبية والحركات المسلحة السودانية لم تعد تملك حتي مقاتليها دعك من أهلها في دارفور ودعك من شعب السودان!
كيف لها إذن أن تصل – بالسلاح وحده- إلي السلطة؟ وكيف لها وهي مدحورة خائرة أن تفرض شروطها علي مائدة تفاوض؟ وكيف لها وشعب السودان قد خبرها جيداً وألم بخباياها وخبايا خباياها أن يقف مسانداً لها لتحكمه بالسلاح وتفرض عليه الإتاوات كما كانت تفعل في جبل مرة؟ لقد انتهي عصر الحركات المسلحة إلي الأبد في السودان، ومن كان غير مصدق فليخوض التجربة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة