حقيقة حكومة الوفاق الوطني المرتقبة في السودان!

إذا لم يتوفر لدى القوى السياسية السودانية التى تنتظر على أحرّ من الجمر تشكيل حكومة الوفاق الوطني المرتقبة، الحد الادنى من الفهم الاستراتجي الصحيح لأهداف هذه الحكومة الوفاقية؛ فإن من المؤكد ان خطى التوافق الوطني سوف تتعثر،
والدائرة الشريرة القديمة سوف تدور!
المؤسف فى مجمل المشهد الآن ان غالب القوى السياسية القديمة منها التى تحمل بطاقات انتخابات 1986 والحديثة منها التى ولدت حديثاً ولا تعرف بالتحديد وزنها السياسي ومدى مقبوليتها فى المسرح السياسي السوداني؛ يعتقدون ان الحكومة حكومة انتقالية مماثلة لتلك التى أعقبت اكتوبر 1964 وأبريل 1985م. بمعنى انها (فاصل إعلاني) ثم الانتقال لذات اللعبة القديمة بذات الممارسات والصراعات والدوائر المغلقة!
كل القوى التى حاورت أو تلك التى تمنّعت هي الآن ترخي أذنيها وتضع يدها على جيبها السياسي، تنتظر ان تجد حظاً موفوراً من المقاعد وقدراً مناسباً من السلطة، لا لشيء ولكن لكي تؤكد لنفسها وللآخرين، أنها صاحبة وزن وأنها موجودة بالفعل.
حكومة الوفاق الوطني كما هي مفهومة من خلال مخرجات الحوار، هي حكومة مهام صعبة. مهام بناء استراتيجي للدولة السودانية ووضع حجر الاساس الافضل طريقة تداول سلمي للسلطة تنهي الحروب وتضع قواعداً للخلافات وتقر ثبات الدولة السودانية بمؤسساتها الراسخة مع تغير الحكومات تبعاً لرغبات الناخبين فى كل دورة انتخابية.
حكومة الوفاق الوطني مطلوب منها التأسيس للنظام الرئاسي مع وجود رئيس وزراء وفق الثقافة والمعطيات الثقافية السودانية. نظام يجمع ما بين مزايا النظام الرئاسي وأقرب للنظام المختلط ويبتعد عن النظام البرلماني الذي ارتبط بالتشاكس وحل الحكومات والائتلافات الهشة والمكايدات التى تعتبر ابرز عناصر إهالة التراب على التعدديات السابقة.
حكومة الوفاق الوطني معنية بأن تواجه بشجاعة تعقيدات الاقتصاد السوداني دون إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك. على الاذهان التى تتولى دفة الحكومة ان تتقد وأن تستنبط حلولاً استراتيجية تكون منصة انطلاق للمستقبل.
وفيما يلي المظالم التاريخية على الاطراف وما يعرف بالتنمية المتوازنة فإن هذه قضايا استراتيجية هامة ولكن من المستحيل -عملياً- حلها في عام أو عامين إذ أن البداية تكون بوقف الحرب وجمع السلاح وإعادة مؤسسات الدولة بذات قوتها، ومن ثم توافق الجميع على العمل الدءوب المتواصل.
من هنا تنبع أهمية حكومة الوفاق الوطني، فهي ليست حكومة انتقالية يُقصى منها القدامى بدعوى اسقاطهم لكي يتصارع بعدها القادمين بإعتبار أنهم حققوا ثورة. هي حكومة اصلاح شامل لمؤسسات الدولة وترسيخها بجذور ضاربة في الارض وهذا لا يتأتى ما بين يوم وليلة، يقتضي نفساً عميقاً طويلاً متجرداً.
أما إذا كان الامر (مجرد محطة) يحتدم بعدها في العام 2020م التنافس الشرير على السلطة بدعوى وفرضية الظالم والمظلوم؛ فإن من المؤكد ان الامر لن ينجح. كما ان تواصي المكونات المشاركة فى الحكومة تواصياً صارماً على عدم الاختلاف والدخول في نزاعات واستقالات، عنصر مهم، فالأمر لا يستقيم اذا لم يكن الهدف هو وضع حجر اساس لدولة سودانية حديثة لأن المتغيرات فى شتى المجالات -طيلة ما يقارب الـ30 عاماً- لا يمكن لعاقل ان تجاهلها وليس فى وسع صاحب معجزات ان يدفنها فى صحراء.
حكومة الوفاق الوطني هي امتحان وضعه شعب السودان لقادته السياسيين ليس فيه فرصاً للإعادة أو الملاحق قط!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة