ماذا بعد رفع العقوبات الاقتصادية؟

تهللت الأسارير فرحاً واستبشرت كل الأوساط السودانية خيراً فور صدور قرار الرئيس الامريكي باراك أوباما برفع الحظر الاقتصادي عن السودان , والذي كان بموجب القرارين رقم 13067 و13412 في العام 1997م والعام 2006م.
وبما أن الحدث يعتبر من العيار الثقيل وزناً وصديً إلا أن بعض التسريبات والتطمينات التي سبقته عبر وسائل التواصل الاجتماعي برفع العقوبات الأمريكية خففت من صدمتنا بالفرح المهول.
لا شك أن حصار وعقوبات اقتصادية لعقدين من الزمان كانت لها مردودات سالبة علي الاقتصاد والواقع السوداني في كل عمليات الإنتاج والتصدير والاستيراد مما أعاق نمو البلاد الاقتصادي في شتى المجالات التنموية والذي تمثل في الدواء وقطع الغيار والمعدات والأجهزة الأصلية للشركات الأمريكية والأوروبية, واستعيض عنها ببدائل أقل جودة وأصالة أو تقليداً, فتوقفت القطارات والطائرات والمصانع وعانى المرضى والمواطنون جميعاً يوماً بعد يوم من الحصار المفروض الذي نخر في عظم الاقتصاد السوداني الذي كاد يموت لولا الإسعافات والترقيعات المتتالية التي كانت على حساب ضيق العيش ومعاناة المواطن بسبب رفع الأسعار, حيث تضاعف سعر أقل سلعة خمسة أضعاف ورفع الدعم عن السلع التي كانت مدعومة سابقاً وزيادة الرسوم في كل المعاملات الحكومية والتجارية والخدمية وزيادة الجمارك والضرائب.
إن رفع الحصار الاقتصادي أولاً : يعتبر فرصة سانحة للحكومة لتحسين الاقتصاد عموماً والاهتمام بمعاش الناس وأن شماعة الحصار الاقتصادي عادت لا تجدي نفعاً وانكشف المستور وبانت الحقيقة بأن الاقتصاد السوداني لو وظفت موارده بطريقة سليمة لما عاش هذه الأزمة المفتعلة, وهذا ما أكده رئيس بلاروسيا في زيارته الأخيرة للسودان ومخاطبته البرلمان السوداني, وتعجب كيف يعيش بلداً حالة من الفقر وأزمة اقتصادية وهو ينتج 80 طناً من الذهب في العام, وهذا ما يؤكد ما ذكرته سابقاً أن ظهور الذهب على طول وعرض البلاد كان كافياً أن يسد فجوة نسبة خروج البترول من الموازنة العامة بعد انفصال جنوب السودان, ثانياً: الشروط التي وضعتها أمريكا تحتاج لبعض الممارسات المرنة من الحكومة وبعض الإجراءات للمحافظة على رفع الحظر وحتى لا نعود للعقوبات مرة أخرى , ويتمثل ذلك في ضبط الخطاب السياسي على مستوى الدولة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية, فتح باب الحريات وقبول الآخر فمن يعارض بمداد القلم وجهر القول أفضل من يعارض برفع السلاح, وأخيراً أن تبدي الحكومة حسن النية للحد الأدنى لتحقيق السلام العادل بالبلاد, وتعمل على ترسيخ نظام حكم ديمقراطي شفاف تراعي فيه قيم العدالة الاجتماعية والسياسية.
فقد تفاءل البعض بأن حالة الاقتصاد السوداني ستتحسن برفع العقوبات الاقتصادية, ولكن أقول لن تتحسن الحالة الاقتصادية في ظل السياسات الحالية وسياسة رزق اليوم باليوم التي أضرت بالمشروعات الاستثمارية وبعمليات الإنتاج لتكرار الرسوم بصورة مفاجئة بين حين وآخر, وأصبحت هنالك حالة من التخبط في قراءة للسوق مما أدت لتوقف المصانع وتشريد العمالة . ومما استغربت له تصريح وزير المالية بعد التوقيع علي الوديعة الإمارارتية بنصف مليار دولار بأن سعر الدولار سينخفض الى 9 جنيهات (مفتكر حا يخلع ناس السوق) , هذه الوديعة السيد الوزير ستتبخر فقط في خمسة تصديقات ( وتاني تفتشوا ليه في الإمارات ما تلموا فيها) .
نكرر نداءنا للمرة الثانية لن تنخفض الأسعار وينخفض الدولار وتختفي موجة غلاء المعيشة, ما لم تتراجع الحكومة عن سياساتها الاقتصادية القائمة على تحميل المواطن كل الأعباء الخدمية ونفض ما في جيبه ليسد عجز ميزانية دولة . وإذا أردتم أن تهدوا للشعب هدية يفرح بها كما فرح برفع العقوبات الاقتصادية فلتكن بتخفيض الجمارك بحيث لا تتعدى 40% حسب القوانين الدولية , وتخفيض الدولار الجمركي ,وتخفيض رسامين المعاملات بالدواوين الحكومية على أن يتم ذلك تدريجياً خلال هذا العام حتى يحس المواطن أثر رفع العقوبات وحينها سترون الرخاء والرفاهية بإذن الله وإلا سيظل الرفع منصوباً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة