الإمام الصادق المهدي، عاوده الحنين، فعاد بخفي حنين، هكذا يمكن قراءة تفاصيل ما بين سطور عودة رئيس حزب الأمة القومي المعارض وزعيم الأنصار بعد منفى اختياري مكث فيه سنين عددا
عودة الحبيب الصادق المهدي المرتقبة للسودان تأتي في ظل متغيرات عديدة طرأت على المشهد السياسي السوداني، متزامنة مع تحولات إقليمية ودولية رمت بظلال كثيفة على أرضية ميدان السياسة في السودان، لعل أهم هذه المتغيرات على الإطلاق، التقارب الماشي بين واشنطن والخرطوم على خلفية قرار الإدارة الأمريكية الذي قضى برفع عقوباتها وحصارها الاقتصادي الذي فرضته على السودان أكثر من عشرين عاما، الأمر الذي يعني انفراجا كبيرا في أسارير الحكومة السودانية، مما يترتب عليه سقوط ورقة التوت التي كانت تراهن عليها المعارضة السودانية في مسعاها لإسقاط النظام في السودان عبر بوابة تأليب المجتمع الدولي .
عودة الزعيم الصادق المهدي تأتي بعيد تصريحات سالبة في حق المعارضة السودانية قال بها المبعوث الأمريكي المنتهية ولايته " دونالد بوث " الذي شن هجوما عنيفا عليها محذرا من المبالغة في الثقة بالمعارضة المسلحة السودانية التي قال إنها تضع مطامحها السياسية فوق مصلحة الشعب.
تصريحات بوث كانت بمثابة لطمة قوية في وجه المعارضة السودانية، قبل أن تكون خارطة طريق دفع بها إلى ملعب الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب لتحدد مسار علاقاتهشا المستقبلية مع المعارضة السودانية
عودة المهدي الإمام تأتي متزامنة مع إعادة هيكلة الجبهة الثورية التي أعلنت " مالك عقار " رئيسا لها في اجتماعها الأخير بالعاصمة الفرنسية باريس، في وقت حزمت فيه الحكومة السودانية أمرها بشأن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وشرعت فعليا في التشاور مع القوى السياسية ووضع المعايير العامة لشكل حكومة الوفاق الوطني المعنية بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني
لقد توقع الكثير من المراقبين أن يعود المهدي محمولا على أكتاف مخرجات إيجابية لاجتماع باريس، تفتح طريقا ثالثة لمستقبل تعاطي المعارضة مع الحكومة بعد أن سئم الجميع من تطاول أمد الحرب واستمرار المزايدات على طاولة المفاوضات، ولعل توافق الخرطوم وجوبا وتقارب واشنطن مع الخرطوم سيشكل حصارا رهيبا على المعارضة السودانية سواءا كانت الحركات المسلحة بالخارج أو الأحزاب السياسية بالداخل، واقع كنا نتوقع أن يستبقه الحبيب الصادق المهدي بإعمال محاولات لتوحيد صف المعارضة والارتكاز على رؤية تتعاطى بها مع المتغيرات الجديدة التي أطلت برأسها عبر نوافذ القضية السودانية.
فترة المنفى الاختياري للإمام الصادق المهدي التي استمرت نحو ثلاث سنوات، كانت وبحسب الإمام نفسه بغرض التعريف باتفاقيات ووثائق ومعاهدات يضع لمساتها الأخيرة ، تمهد لعودة الحركة الشعبية شمال وحركة العدل والمساواة بقيادة دكتور جبريل إبراهيم إضافة إلى حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي على شاكلة وثيقة الفجر الجديد وإعلان باريس ونداء السودان، ولكن يبدو أن رياح تمسك الحركات المسلحة بموقفها الثابت من إسقاط النظام بالعنف، جرت بما لا تشتهي سفن أمنيات وتطلعات المهدي الإمام، فقرر العودة بعد فشله في إحداث أي تأثيرات واضحة على ملف القضية السودانية.
قطعاً عودة الإمام الصادق المهدي سيكون لها انعكاسات على الحراك السياسي سواء في المشهد السوداني أو على صعيد أروقة حزب الأمة القومي، الذي فقد البوصلة خلال فترة غياب المهدي الإمام وتجاذبت طائرته الكثير من المطبات الهوائية ، فتأثر تفاعل الحزب مع الكثير من القضايا والتحديات على الصعيد الداخلي
إن توقيع الإمام الصادق المهدي على وثيقة خارطة الطريق الأفريقية، تلزمه بالامتثال لمساراتها بقبول الحوار الوطني وسيلة لمعالجة الأزمة السودانية وهي مؤشر " إن لم أكن شديد التفاؤل " يمكن أن يقود حزب الأمة القومي إلى الالتحاق بركب الوثيقة الوطنية للحوار، خاصة في ظل ترحيب المؤتمر الوطني بعودة الصادق المهدي ومشاركته في العملية السياسية في الساحة السودانية .
تعليقات
إرسال تعليق