نداء السودان امتداد لمسيرة السقوط والهوان!

مازالت قوى المعارضة العلمانية في ضلالها القديم تتبارى كل يوم في إلحاق الأذى بالبلاد، وتتسابق في تعميق جراحها وتضخيم أزماتها الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية، ولم تعِ وترْشُد بعد إلى صوابها وعقلها إن كان لها عقل، ضاربة بوحدة البلاد وتماسك عرى نسيجها الاجتماعي وسلامة أمنها القومي وسيادة أرضها وحماية مواردها عُرض الحائط، تائهة في مسيرتها تتغطى بلبوس العار والجبن والعمالة والارتزاق، لا تفقه في تصورها وتخطيطها الخبيث التفريق بين الوطن ـ الذي هو ملك للجميع ما التزم كل واحد منا بأمنه ووحدة وسلامة أرضه وسيادته ـ وبين النظام الحاكم الذي هو مرحلة من مراحل الحكم في البلاد لا يبقى إلى الأبد، الأمر الذي لا يستدعي تدمير مقدرات البلاد فوق رأسه بدعوى الانتقام منه.
إن ما تفعله القوى العلمانية مجتمعة جيوشها من فلول الشيوعية، وفلول أنظمة بائدة حكمت البلاد كان في عهدها تتساقط أجزاء الوطن كل يوم مدينة تلو الأخرى دون أن يغمض لها جفن أو ينبض فيها قلب عزة، وفلول أخرى من البائسين المرتزقة الذين باعوا حرمة الأوطان بحفنات قليلة من دولارات السفارات ولذائذ زائلة في فنادق الهوان بالخارج، وموائد طعام حرام مصادر تمويله «فروج» العاهرات والربا والمخدرات.
إن دعوة القوى العلمانية المتجددة عبر بيانات العار والهوان التي بدأت «بالفجر الفاجر» ويكفي أنه فاجر بتلقيه دعماً مباشراً من موسفيني عدو الإسلام والثقافة العربية، ثم استمر الهوان ومشروع السقوط السياسي لقوى المعارضة بشقيها المسلح والحزبي العاجز الهالك بتوقيع ما عرف «بالبديل الديمقراطي» ثم تعروا هناك في عاصمة «العرايا» ووقعوا «إعلان باريس» الذي أيده صاحب «الصيحة» وقال إننا نتحفظ على نداء السودان ولم يقل نرفضه «سبحان الله»، واليوم خرجوا علينا متمسحين بعارٍ جديد يدعي «نداء السودان»!!
إن نداء السودان الذي وقعه أطرافه خفيةً في الظلام بعيداً حتى عن علم أجهزة الدولة الإثيوبية يمثل انتهاكاً لحرمة الدولة المضيفة للمفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال الذي ظللنا نؤكد منذ ما يقارب ثلاث سنين في مقالات مستمرة كشفت خبايا قطاع الشمال، أنه لا يريد سلاماً في الولايتين، ولن يوافق على خطة تحقق الاستقرار فيهما، وإنما يمارس عملية استنزاف مستمرة، ونرى أن الدولة قد قصرت كثيراً في حسم المكون المشوّه العميل غير الشرعي، ويوم الإثنين الماضي أكدت الحكومة ما ظللنا نكرره حول قطاع الشمال على لسان رئيس وفد التفاوض الحكومي مساعد رئيس الجمهورية البروف ابراهيم غندور عندما قال: «إن قطاع الشمال لا يرغب في الوصول لحل»، وأضاف قائلاً: «قطاع الشمال يرغب في استمرار الحرب ومعاناة المواطنين» إذن بعد هذه القناعة لدى الدولة ماذا تنتظر الدولة بعد؟والحل شيء واحداً لا شيء سواه!!

إن نداء السودان المزعوم يمثل مرحلة العقم والحيران السياسي التي وصلت إليها القوى العلمانية التي كتبت وأعلنت وصرخت في وادي الهوان منذ «تفلحون وتستبشرون وتهتدون»، ولم يستجب لنداءاتها الخواء «ذباب السودان» دع عنك أهل السودان، لأن النداء في أصله مشبع بروح القرب والملاطفة والاهتمام، والنداء دائماً ما يكون للقريب أو البعيد بعداً نسبياً لا يخرج من دائرة القرب العام.. ومن هنا إن أرادت قوى المعارضة مناداة أهل السودان فلتنادهم من داخل السودان، وليس من داخل العواصم البعيدة والسفارات، وأهل السودان المسلمون يستقون طرق الحلول وأساليب الحوار لحسم نقاط الخلاف أو الاختلاف من منهج القرآن الذي أرسى ثروة حضارية نادرة في الحوار أفادت الإنسانية كلها وليس المسلمين فحسب.. ومن منهج القرآن في الحوار قوله تعالى «قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم..» والمعنى في الآية فيه عموم اللفظ، ولذلك حاجة أهل السودان اليوم للسلام والأمن الاجتماعي الذي يمثل أولوية، والقوى الحزبية العلمانية والقوى المسلحة تفهم هذه المعاني لكنها تبقى حريصة على مصالحها الذاتية من عطايا الهوان والأداء بالوكالة باستمرار الحرب وإثارة روح القبلية.. النداء الحقيقي والحوار الحقيقي المشبع بالنية الخالصة والحرص على المصلحة العامة، هو نداء السودان الداخلي الخالص كما يعبر عنه القرآن الكريم بقوله: «فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا اصلاحاً يوفق اللهُ بينهما»، فمن مضمون هذه الآية التي تعالج حالة خاصة داخل الأسرة الصغيرة نستقي أطراً عامة تصلح ترياقاً لمشكلاتنا شريطة أن تكون نابعة من داخلنا وليس من عدونا المتخفي وراء ثياب القوى العلمانية والحركات المسلحة الخلقة البالية.أي نداء ذاك لأهل السودان وحنجرة صاحب النداء متضخمة بسرطان التشرذم والاقتتال الداخلي وهوى المصالح الذي جعل أحزاب ما يسمى قوى هيئة الاجماع الوطني ينادي كل يوم في منبر من منابر الخزي والعار؟ وهم لا يدركون حتى هذه اللحظة أنهم يقفون عرايا في ساحة النداء، ولذلك الشعب لا يأتي إلى هذه الساحة.. ساحة النداء.. ساحة العرايا، لأنه لا يجوز شرعاً النظر في العورات.إن نداء السودان حين يدعو الشعب إلى ثلاث جرائم هي مقاطعة الانتخابات، وإسقاط النظام بالقوة، وتبني مفهوم ما يسمونه دولة «المواطنة والديمقراطية»، هذه الجرائم الثلاث لو سار الشعب والقوى السياسية الأخرى في إثرها لتلاشى السودان وصار أثراً بعد عين، ولم تبق دولة موحدة وشعب موحد، وأرض ذات سيادة، وهذا هو المخطط الذي هدف إليه موقعو ما عرف بنداء السوداان!! لماذا؟ لأن مقاطعة الانتخابات سوف تخلف وراءها فراغاً دستورياً في البلاد، ولا يملأ هذا الفراغ إلاّ الفوضى  والحرب الأهلية، واسقاط النظام بالقوة رجعية وتخلف تجاوزه الزمان ولا يخلف وراءه إلاّ مثال دولة الصومال التي لم تعرف منذ ربع قرن من الزمان سمات الدولة، وإسقاط النظام بالقوة يستدعي ويستوجب التدخل الدولي الشرير الذي يلحق السودان بالعراق واليمن، فلماذا لا نعتبر؟ وهنا ينبغي ألاّ يفهم أننا ندافع عن النظام، بل لنا ملاحظات ومواقف كتبنا عنها كثيراً وعبرنا عنها برأى واضح في بعض الأخطاء والتجاوزات، لكن نحن هنا ندافع عن مبادئ التداول السلمي للسلطة والاحتكام إلى الإرادة الوطنية الخالصة لشعب السودان، والإفادة من حالات الفوضى التي ضربت بلداناً كثيرة، وليست هناك وسيلة حتى الآن أصلح للتداول السلمي للسلطة من وسيلة الانتخابات والاقتراع والتصويت من قبل الشعب.. أقول إن الممارسة السياسية الراشدة وتنظيم الانتخابات النزيهة تمثل اليوم ضرورة شرعية لحفظ حرمة الأمة والأوطان.وحين يدعو «نداء الهوان والعار» الذي يسمى نداء السودان.. خداعاً.. إلى ما سماه دولة المواطنة والديمقراطية، إنما أصل هذه الدعوة هو الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، وفصل السياسة عن الدعوة، ووصل الاقتصاد بالربا.. وإن كان الأمر كذلك فقد آن الأوان لقوى الحركة الإسلامية في الحركة الإسلامية وفي المؤتمر الوطني وفي المؤتمر الشعبي وفي حركة الاصلاح الآن، وإسلاميي منبر السلام العادل، الذين هم الآن خارج أسواره.. والحمد لله الذي عافانا منهم وذهب بنا بعيداً عن خبثهم وعنصريتهم التي أخفوها أمامنا عند مجئنا، فلما دخلنا فاحت منهم وتبدت بمرور الأيام. ونبرأ إلى الله ونعتذر للناس وإن لم نخض في تلك الجهالات، وفي جماعة الإخوان المسلمين «البيت الكبير» وفي قوى المنابر السلفية المختلفة أن تعيد النظر في وحدة إسلامية جامعة تعزز قوة الدّين وتعزز وحدة الدولة والشعب والمجتمع في مواجهة أهداف نداء السودان.. إنه آن الأوان ان يصعد نجم الوحدة الإسلامية الجامعة، ويصعد مصطلح الحركة الإسلامية العامة في تنسيق سياسي وفكري ودعوي.. وآن الأوان لخروج مسيرة العزة لمواجهة مسيرة الهوان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة