تُرى ما الذي ظل يجتذب قوى المعارضة السودانية باستمرار للعاصمة الأثيوبية
أديس أبابا؟ فما أن تبدأ جولة تفاوض بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال أو
بين الحكومة السودانية ومسلحي دارفور، أو حتى في بعض الأحيان بين حكومة
السودان وحكومة جنوب السودان، حتى يتوافد قادة القوى المعارضة من منافيهم
ومهاجرهم الموحشة ميممين وجوههم صوب العاصمة أديس! الأمر ظل يتكرر باستمرار
طوال الأعوام الثلاثة الماضية بدأب ومثابرة تثير الدهشة!!
ففي الوقت
الذي ترفض فيه قوى المعارضة – بإصرار غريب – التفاوض مع الحكومة السودانية
رغم أن التفاوض هو في خاتمة المطاف السبيل الأوحد للحل الشامل، فإنها – في
ذات الوقت – لا تستطيع احتمال البقاء بعيداً كلما دخل طرف للتفاوض مع
الحكومة السودانية. الآن امتلأت فنادق العاصمة الأثيوبية وأصبح بالكاد تجد
فيها موطئاً لقدم لمجرد انعقاد جولة مفاوضات مبدئية بين الحكومة ومسلحي
دارفور! وبالطبع يستوقف هذا الحضور الذي يمكن اعتباره (بغير طائل) أي مراقب
للشأن السوداني، وذلك لأن أقل ما يمكن أن يستشف من هذا الموقف أن القوى
السياسية المعارضة تعاني من تقاطع حاد في المواقف والرغبات السياسية، وهذا
بدوره قادها إلى عدم شعورها بالثقة والاطمئنان تجاه بعضها، فالكل يحذر
ويتوجس من الآخر بل ويتخوف من أن (ينفرد) جزء منها باتفاق مع الحكومة
السودانية، فيضيع بذلك الموقف التفاوض للآخر! ومن جانب ثان فإن هذه القوى
وطالما أنها قوى معارضة عاجزة عجزاً لا حاجة لإثباته عن أن تلم شملها وتوحد
رؤاها ومن ثم تحاور الحكومة السودانية على قلب رجل واحد!! جربت صيغاً
جبهوية عديدة منذ أيام التجمع الوطني الموؤد إلى الجبهة الثورية التي تفرقت
بها السبل مؤخراً. جربت تحالفات داخلية تكتيكية كان أبرزها ما أصبح موضعاً
للتندر والطرافة (قوى الإجماع الوطني) لتكتشف ذات القوى هذه أنها لم
تستطيع أن تجمع حتى على رئاسة أبو عيسى لهيئة قوى الإجماع!! جربت شتى
المواثيق والمكتوبات السياسية المخطوطة بأرقى وأجمل اللغات السياسية من لدن
وثيقة البديل الديمقراطي الممعنة في التنظير والأماني الدافقات إلى وثيقة
الفجر الجديد المنكورة النسب والصلة، إلى إعلان باريس الذي ولد ميتاً!! لقد
تركت هذه القوى المعارضة قضية وأطروحة الحوار الوطني وبابها مفتوح على
مصراعيه وكان وما يزال بوسعها أن تُبدع فيها أيما إبداع وطفقت تبحث عن
أمنياتها في فنادق أديس ومنتجعاتها البارقة!!، إن ملاحقة قوى المعارضة
لبعضها في قاعات التفاوض في أديس أن هو إلا دليل على فقدان هذه القوى لأية
أرضية سياسية يمكنها أن تقف عليها ولا شك أن الدكتور حسن عبد الله الترابي
زعيم حزب المؤتمر الشعبي كان واقعياً بدرجة واضحة حين برر بوضوح سبب
استجابة حزبه لأطروحة الحوار الوطني بفشل قوى المعارضة طوال أكثر من عقد من
الزمان في إسقاط النظام! فطالما أن الوسيلة المتاحة لإسقاط الحكومة قد
فشلت، فإن السياسي الواقعي غير المهموم في آفاق الأحلام والرومانسية
السياسية ليس هنالك من وسيلة أمامه سوى الجلوس للتفاوض والحوار! قوى
المعارضة ربما حسدت د. الترابي على منطقه السياسي المبين ولكنها استحيت من
أن تقول ما قال وفي ذات الوقت فإنها – لمفارقات السياسة – عاجزة حتى عن
الدخول في حوار مع الحكومة!!
تعليقات
إرسال تعليق