الأمة القومي وأحاديث المقاضاة المربكة!!

ارتبكت قيادة حزب الأمة القومي الموجودة بالداخل بعد غياب زعيمها السيد الصادق المهدي بالخارج منذ أغسطس الماضي!

ومع أن هذا الارتباك متوقع ومعروف نظراً لما هو معلوم بالضرورة من أن المهدي هو الممسك – لوحده – بكل مفاصل القرار في الحزب، إلا أن الارتباك الذي بدأ يتصاعد إلى اضطراب واسع  النطاق داخل الحزب صار مثيراً للشفقة!

ففي أعقاب اتهام الرئيس البشير للسيد الصادق المهدي بأنه عقد اتفاق بأديس المعروف مع الجبهة الثورية ليتم تنصيبه رئيساً للبلاد على أن يتم الاستيلاء على مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور لتصبح عاصمة السلطة الجديدة، وأن اتفاق باريس نفسه صنيعة صهيونية لإسرائيل فيه القدح المعلي. في أعقاب هذا الاتهام، سارعت قيادة حزب الأمة للتلويح بمقاضاة الرئيس البشير!!

الارتباك هنا ليس فقط في التلويح بمقاضاة الرئيس في شأن سياسي وكأن الرئيس البشير – حين قال ما قال – كان يستند إلى خيال سياسي وتصورات خاطئة!

كما أن الارتباك لا يقف في حدود أن قيادة حزب الأمة القومي لا تملك من الحيلة السياسية والفكر السياسي الخلاق ما يتيح لها الرد – بموضوعية – على الاتهام الموجه لزعيم الحزب.

الارتباك المؤسف ومؤلم بحق، أن قيادة حزب الأمة القومي بدت وكأنها آخر من يعلم (بحقيقة ما وقع عليه زعيم الحزب) في باريس!! وهذه للأسف الشديد واحدة من أهم وأخطر مشاكل الأحزاب السياسية ذات المنحي العائلي والأبوي التي عرفها السودان منذ أربعينات القرن الماضي.

أحزاب تقوم على (الولاء المطلق والطاعة الناجزة) لزعيم الحزب دون أية مجادلات، إذ المعروف أن السيد الصادق المهدي وبملء لسانه قال أنه حين سافر إلى باريس للقاء الثورية لم يخبر ((أحداً)) بوجهته واتخذ طريقاً متعرجاً وملتوياً وحرص على التمويه!!

وكان واضحاً أن قيادات الحزب أنفسهم – القريب والبعيد منهم – ليسوا على علم بما كان ينتويه الزعيم دعك من أن يكون ناقش معهم – قبل سفره – تفاصيل الاتفاق المزمع توقيعه، ودعك أيضاً من أن يكون قد حصل على موافقة قياداته!!

ربما كان الأمر يختلف لو أن قيادة حزب الأمة القومي – منذ البداية – كانت على علم مسبق بتفاصيل ما سيوقع عليه المهدي مع الثورية في باريس، ولهذا وطالما أن الأمر بدا (مفاجئاً) حتى لقادة الحزب وصعقوا بما ساقه الرئيس البشير من معلومات فلماذا يفترضون (صحة) موقف المهدي و (خطأ) معلومات الرئيس؟

ولعل ليس أدل على أن قيادة الحزب علمت ببعض تفاصيل إعلان باريس لاحقاً أن الدكتور إبراهيم الأمين، الذي أقيل من أمانة الحزب قبل أشهر قلائل والتقي المهدي في القاهرة قبل أسابيع وتناقشا في أزمة الحزب التنظيمية (فوجئ) بأن المهدي طلب منه (كشرط) للبداية في تسوية الأزمة القبول والتأييد لإعلان باريس!!
المهدي بدا وكأنه يسعي لإقناع قادة حزبه بما (رآه) ووقع عليه في باريس! أي أنه يريد مناقشة إعلان باريس بأثر رجعي – وبعد التوقيع – مع قادة حزبه!!

كما أن قادة حزب الأمة القومي لم يسألوا أنفسهم سؤالاً بسيطاً وساذجاً وهو لماذا فضل المهدي – عقب التوقيع – البقاء في الخارج؟!
لأن من غير المنطقي ومهما كانت مخاوف الرجل من السلطة الحاكمة أن يتخوف من مجرد (إعلان سياسي) وقعه مع مجموعة مسلحة.

لو كان للمهدي (منطق موضوعي) وهو الذي أشتهر بالكلام والأحاديث لما تخوف من الحكومة السودانية لمجرد أنه وقع (إعلانا سياسياً بريئاً) مع جهة تحمل السلاح!
على العكس تماماً كان من الممكن أن يضحي الرجل بحديثه في سبيل (ما آمن به) إن كان حقاً ما آمن به شيء سليم!

إن ارتباك قيادة حزب الأمة في الواقع مرده إلى تسرب الخوف إليها من أن يكون المهدي بالفعل قد (فعلها) وكبد الحزب خسارة سياسية فادحة وهو في خريف عمره وجعل منه حزباً قابلاً للتحالف مع حملة السلاح للوصول إلى السلطة عن طريق فوهات بنادقهم لمجرد إشباع غريزة حب السلطة المتمكنة من زعيم الحزب!!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة