عند إمعان النظر في الأوضاع الراهنة للحركة الشعبية قطاع الشمال والوقوف علي كافة المعطيات التي تشكلت منها تاريخياً، فإن من المؤكد أن المراقب سيجد صعوبة بالغة في القول أن الحركة وهي بهذه المعطيات يمكنها إحراز سلاماً موضوعياً
ينهي الاقتتال في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
الحركة الشعبية قطاع الشمال مثقلة بمعطيات معقدة ومتناقضة، فالسياسي الأكثر بروزاً فيها هو ياسر عرمان، والعسكري الأبرز عبد العزيز الحلو بجانب جقود مكوار.
المنهج الظاهر الذي تتستر به الحركة حقوق الإنسان باعتباره واحداً من أهم مشغوليات المجتمع الدولي، كما ترتبط بمنهج يساري علماني يربطها بالحزب الشيوعي السوداني، ثم نرتبط أيضاً بضفيرة من العلاقات الخارجية المتشابكة مع الولايات المتحدة وجماعات الضغط.
هذه المعطيات المتناقضة هي التي تتشكل منها الحركة الشعبية قطاع الشمال وهي التي تجعل من إمكانية إنهاء الأزمة معها أمراً صعباً للغاية، فتنظيم الحركة كما رأينا لسنوات ونراه الآن ليس قوياً متماسكاً بدليل ما حدث مؤخراً، ومن الناحية السياسية فإن تأثيرها خبا لا تجاهها توجهاً منطقياً جهوياً!
أما عسكرياً فإن الحركة الآن تكابد وتعيش بالكاد في منطقة تكفل لها إتقاء شر مواجهة خاسرة مع القوات المسلحة السودانية تنتهي بها بدون شك إلي ما انتهت إليه حركات دارفور المسلحة!
العامل الوحيد الذي يعين الحركة الآن في البقاء هو عامل الرعاية الذي تحظي به من كل من جوبا وكمبالا!!
ولكن الواقع التنظيمي المشاهد الآن بوضوح أن الحركة الشعبية قطاع الشمال هي عبارة عن حركتين واحدهما في جنوب كردفان والأخرى في النيل الأزرق!
لديهما ارتباط عضوي وتنظيمي بحكومة دولة الجنوب، وهذا الارتباط تسبب في ارتفاع أصوات تطالب بإعادة هيكلة وتنظيم الأمر الذي أفرز ما عرف (ببرنامج البناء الهيكلي والمؤسس للحركة 19 أكتوبر 2015)! كانت مجرد محاولة لبناء الحركة وإعادة شرعيتها وخلق مؤسسات فاعلة! ولكن المحاولة لم تنجح حيث ظل عرمان هو المسيطر الفعلي الأوحد علي الجوانب السياسية للحركة وعلاقتها الإقليمية والدولية، والذي يعرف عرمان يعرف أن الرجل هو آخر من يميل إلي العمل المؤسسي المنظم.
أبناء النوبة الذين تتشكل الحركة من غالبيتهم سرعان ما وقع انقسام واسع النطاق بداخلهم، هنالك مجموعات تميل إلي الحكومة ودخلت المؤتمر الوطني وأخري بقيت داخل السودان وترفض الحرب وتقف موقفاً عدائياً ضد الحركة ثم هناك مجموعة الغالبية الصامتة والتي يقيم معظم قياداتها بدولة جنوب السودان.
وبالطبع هنالك مجموعة أخري تلعب علي حبال مناورة بذكاء، تهادن وتتصل ببعض قادة الحركة ثم تتصل بمجموعات أخري داخل السودان.
أما في النيل الأزرق فقد ظلت تتخذ طابعاً قتالياً ففي سبتمبر 2016 وصل إلي منطقة (يابوس) دعماً عسكرياً (مدافع سام ودوشكا وزو).
الدعم والعتاد العسكري قادم من دولة جنوب السودان ومنذ منتصف نوفمبر 2016 بدأت الحركة في النيل الأزرق تتخذ طابع التأهب العسكري والاستعداد للقتال.
إذن مجمل القول أن أوضاع الحركة الشعبية قطاع الشمال ليست متماسكة بما يكفي للقول أنها حركة مسلحة قوية.
هي فقط تبدو في ظاهرها حركة مسلحة ولكنها تعيش تناقضات ومشاكل قبلية واثنيه خطيرة فقد تعرض قادة (قبائل الفونج، الأدوك، الرقايق) للفصل والعزل بسبب احتجاجاتهم علي حصر الترقيات في قبيلة الانقسنا!!
ولهذا فإن من الصعب أن نتصور في ظل هذا الواقع المزري للحركة أن تنصلح الأحوال داخل الحركة ومن ثم تصبح مواتية للتفاوض وتوقيع اتفاقية سلام!!
تعليقات
إرسال تعليق