أسلوب قطع الطريق على الطريقة الأمريكية!

على مدى أكثر من خمس عقود مضت وطوال عمر النزاع الإسرائيلي العربي ظلت الولايات المتحدة رغم كونها أكبر دولة على مستوى العالم من كل النواحي، صاحبة الرقم القياسي فى تبني مواقف وسياسات تفسد الصواب، ولا تصلح الخطأ!
وبالطبع المجال هنا لا يتسع لإيراد نماذج عديدة فى هذا الصدد فالتاريخ السياسي الحديث حافل بمتناقضاتها التى لا تنتهي، إذ يكفي هنا فقط أن منطقة الشرق الأوسط التى خصتها واشنطن باهتمام خاص، ما تزال مشتعلة وغير متوائمة وقابلة للإنفجار.
أما على صعيدنا السوداني فإن من غرائب الولايات المتحدة أنها حرصت حرصاً بالغاً قبل حوالي العامين ونيف على تضمين قضية المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقضية قطاع الشمال فى قرار دولي يصدر من مجلس الأمن الدولي هو القرار 2046.
كان واضحاً أنها حين عملت على إصدار هذا القرار الدولي هدفت الى إلزام الحكومة السودانية -بقوة القانون الدولي- على التفاوض مع قطاع الشمال كجسم مسلح تعتقد واشنطن أنه يمثل المنطقتين على غرار ما كانت الحركة الشعبية الجنوبية فى نيفاشا 2005 تمثل جنوب السودان!
وكان هدف واشنطن الظاهر والمستتر أن تعيد إنتاج النزاع السوداني الجنوبي فالولايات المتحدة لمن يتابع سيرتها السياسية مولعة بتكرار النماذج وقولبة القضايا وهو نهج أمريكي معروف وهي تهدف من وراء إعادة إنتاج الأزمة السودانية الجنوبية لخلق (عقدة) سياسية جديدة فى السودان، ما بعد الانفصال تستطيع من خلالها كما فعلت فى (قضية أبيي) أن تظل أوراقها الخاصة ومصالحها حاضرة فى المشهد السوداني الى الأبد!
كل هذا دار في ذهن المندوبة الأمريكية السابقة فى مجلس الأمن (سوزان رايس) وهي تضع صياغة محكمة للقرار 2046 مستجيبة لمصالح بلادها بتضمين التفاوض مع بقايا الحركة الشعبية فى المنطقتين فى صلب القرار. ومع غرابة ذلكم القرار وغرابة إقحام مجلس الأمن نفسه فيه بهذه الدرجة السافرة فإن السودان من جانبه وباعتباره عضواً فى المنظمة الدولية استجاب للقرار من واقع احترامه للقرارات الدولية مهما بدت غريبة ومفارقة للمنطق!
الجديد فى هذا الصدد، أن ذات الولايات المتحدة التى أجهدت نفسها وتوصلت الى هذا القرار ما لبثت أن اكتشفت (ثقباً) فى إطار السيارة وهي تعبر النهر! فقد بدا أن رفقاء قطاع الشمال فى الجبهة الثورية وهي حركات دارفور المسلحة سيكونون بمعزل عن المفاوضات. واكتشفت أيضاً أن مفاوضات القطاع والحكومة السودانية ومهما كانت براعة وفد القطاع لن تتجاوز المنطقتين والأسوأ أن ما قد تسفر عنه هذه المفاوضات لن يكون بحال من الأحوال مماثلاً لما جرى فى نيفاشا 2005 فالذهن الحكومي هذه المرة يقظ، والخبرة التى توفرت للجانب السوداني من واقع التجربة المريرة الشاقة تكفلت بالانتباه الى ما وراء الوراء!
فماذا إذن تفعل واشنطن؟ أفسدت المفاوضات وأفشلتها بتكتيكات خالية من الذكاء نجح فيها عرمان، ثم عادت لتوجه انتقاداً لاذعاً لمنبر الدوحة المخصص للتفاوض مع حملة السلاح فى دارفور! والغريب هنا حقاً أن جلسة مجلس السلم الإفريقي التى وجهت من خلالها واشنطن نقدها اللاذع لمنبر الدوحة كانت مخصصة أساساً لمناقشة قضية قطاع الشمال!
الصورة بدت واضحة الآن؛ تبحث واشنطن على طريقتها المعهودة عن (منبر مزدوج) يضم الحركات المسلحة فى دارفور وقطاع الشمال فى خطوة استباقية واضحة لقطع الطريق على أية حوار وطني داخلي يجري الآن بين القوى السياسية السودانية فى الخرطوم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة