خسرت الحركات الدارفورية المسلحة ولو كسِبت!

على العكس تماماً فإن التصعيد العسكري الأخير الذى قامت بها الحركات الدارفورية المسلحة فى المنطقة الشرقية لولاية شمال درافور ومناطق "الطويشة وجار النبي واللعيت وحسكنيتة ومليط" هي فى الواقع حالة خسارة إجمالية أخيرة لهذه الحركات المسلحة لجأت إليها تماماً كما يفعل المقامر على مائدة القمار وهو فى آخر حالات يأسه حين (يضع كل ما لديه) على المائدة، فإما كسب أو خسر وانزوى. 

ولكي نقف على حجم الخسائر التى لحقت بالحركات المسلحة التى قادت هذا التصعيد فإننا نرى الآتي: أولاً، إن ما فقدته من عتاد ومؤن لشن هذه الهجمات غير قابل للتعويض؛ بمعنى أن منابع الدعم أصلاً كانت قد جفت ولم تعد لدى هذه الحركات من جهات توفر لها الدعم، فيوغندا منشغلة تماماً بالمشهد الجنوبي وأصبحت جزء لا يتجزأ منه وهي قلقة تماماً لأن من الجائز فى أية لحظة ان يتمكن المتمردون الجنوبيون من تحقيق اختراق كبير ومفاجئ.

 أما جوبا فهي (يدها على قلبها) لأن لا أحد من قادتها على يقين من أين ستأتي ضربة المتمردين القادمة، وهو قلق لا يتيح لها أن تهتم بتقديم الدعم لحركات مسلحة تعمل فى أرض بعيدة بلا أفق ودون أمل في أن تحقق هدفاً. إذن -بهذه الهجمات- لم تعد الحركات المسلحة تملك قوة وهو ما يجعلها هدفاً سهلاً للجيش السوداني الذي يدرك هذه الحقيقة ويلاحقها حتى الرمق الأخير. ولعل خيرُ تجليات عمليّة لهذه الحقيقة فقدان حركة عبد الواحد نور بالتزامن مع هذا التصعيد لقوة كاملة بعدد (600) جندي سلموا أنفسهم للسلطات السودانية مؤخراً. 

ثانياً، فيما يبدو أن هذه الحركات راهنت على عملياتها هذه حتى تؤثر على طاولة مفاوضات أديس أبابا الجارية بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال، ولكن لسوء الحظ فإن طاولة أديس مخصصة -بمنطوق القرار الدولي رقم 2046- لقطاع الشمال والمنطقتين فقط مما يجعل من أي مراهنة للحركات المسلحة عليها عبثاً بغير طائل. 

ثالثاً، الحادثة أثارت غضب واستياء أهل دارفور مجتمعين، فقد أدركوا أن هذه الحركات المسلحة والتى ينتمي قادتها إليهم، بنادقها موجهة بصورة اساسية نحوهم هم فى حين أنهم لا ذنب لهم، بل إن الهجمات زادت من معاناتهم الأمر الذي بات يخصم بقوة هذه المرة من أي رصيد لهذه الحركات المسلحة وهذه من الناحية الاستراتيجية خسارة ماحقة، خاصة فى ظل وجود حركات دارفورية اخرى موقعة على إتفاق السلام، وتنشط فى أعمال إعادة الاعمار والتنمية فى دارفور. من السهل أن يدرك أهل دارفور الفرق الشاسع ما بين المجموعتين: مجموعة تبني وتعمر، وأخرى تقتل وتدمر! 

رابعاً، الحادثة أيضاً -رغم جسامتها- إلا انها لسوء حظ الحركات المسلحة لم تأخذ الصدى المطلوب دولياً، ففيما يبدو أن قادة هذه الحركات راهنوا على استثارة المجتمع الدولي ودفعه لكي يسارع بالتدخل فى دارفور باستجلاب قوات بديلة أو اضافة لقوات اليوناميد وأن يتم فتح ممرات آمنة، والسلسلة المطولة من الاجراءات العقيمة التى تغلّ يد السيادة الوطنية. 

صحيح أن واشنطن صرحت تصريحات، وصحيح أن مجلس الامن حاول التحرك ولكن المحصلة النهائية -للاسف الشديد- ألاّ شيء مما أرادته الحركات المسلحة تحقق؛ وأخيراً فإن التصعيد كان مقصوداً منه أيضاً إثبات هذه الحركات أنها مؤثرة وأن اتفاقيات السلام الموقعة فى الدوحة لا قيمة لها ولكن -وعلى العكس تماماً- فإن الهجمات كشفت عن أن الحركات المهاجمة فى الواقع أضعف من أن يكون لها وزن، فقد سارع بعضها بالهرب وبعضها اضطر لمواجهة القوات الحكومية لأنه لم يكن يملك خياراً وهزم شر هزيمة.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة