وكلاء المقاولات الحربية فى دارفور!

فى الوقت الذي بدأت فيه بعض القوى السياسية السودانية تستشعر مخاطر التنافر والاحتقان السياسي بين كل الفرقاء السودانيين بما يتهدد أمن البلاد القومي، فإن قوى أخرى -للأسف الشديد- ما تزال غارقة فى وحل التقدير الخاطئ والذي بدأ يصل الى مستوى الخيانة الوطنية العظمى. ذلك أن الذين يحملون السلاح فى الظروف الماثلة سواء فى إقليم دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق إنما يعملون -مع آخرين- على هدم البناء الوطني السوداني عن قصد وسوء نية واضحين.
ومن المفروغ منه هنا أن حملة السلاح فى كل الدنيا -بطولها وعرضها- ينتهي عندهم رفعهم السلاح فى اللحظة التى تستجيب السلطة الحاكمة لنداء الجلوس والتفاوض معهم، إذ أن الغاية من حمل السلاح هي إبلاغ السلطة الحاكمة أن هنالك أزمة فى حاجة للتفاوض لإيجاد حلول سياسية وليس من أهداف حمل السلاح، تخريب المنشآت العامة وقتل المدنيين وإعاقة الحياة عموماً وإلحاق الخسائر الاقتصادية بالدولة، وتعقيد الأوضاع الأمنية لأن من شأن ذلك إضعاف الدولة وإضعاف شعبها وتعريضها لخطر السقوط تحت أيدي الأجانب؛ ولمن أراد أن يأخذ العبرة فلينظر فى هذه اللحظات الى ما يجري فى دولة جنوب السودان إذ أن الفوضى ضاربة بأطنابها وسقط المئات، وفر الآلاف وتدخلت دول أجنبية بقواتها مثل يوغندا، وتعتزم الحكومة الجنوبية إيفاد قوات بورندية ورواندية لمساعدتها وهو ضع دون شك يجعل من دولة الجنوب الوليدة دولة قابلة للانهيار ومن ثم الوصاية الدولية.
ومع أن الحركات السودانية المسلحة لا تملك القدرة لا في الوقت الراهن ولا على المدى البعيد لزعزعة استقرار الدولة بشكل مثير للقلق إلا أن مجرد انخراط هذه القوى المسلحة فى صراع بلا نهاية ضد الدولة يهدد أمن البلاد القومي لأن هذه الحركات المسلحة بدأت تحترف العمل المسلح وبدأت تعمل كمقاول فى مضمار العمل العسكري كما رأيناها كيف خاضت فى وحل حرب دولة الجنوب، وخاضت من قبل فى الثورة الليبية وتعتزم أيضاً ومن جديد الخوض فى أعمال مسلحة مستحدثة فى ليبيا.
أيضاً من مثالب تمادي هذه الحركات المسلحة فى حروبها أنها تخلق أجيال كارهة للعمل الوطني، وتثير الفتن بين المكونات الاثنية فى المجتمع السوداني وتؤسس لثقافة مغايرة للثقافة السودانية التى تجنح نحو التسامح والتراضي الوطني والإنساني وقد لاحظنا الآن كيف أن هذه الحركات المسلحة اتخذت طابعاً إثنياً محضاً الأمر الذي يصعب معه حتى ولو وصلت الى السلطة أن تتمكن من إدارة نفسها بالطريقة التى لا تقع معها الحروب والمواجهات الدامية.
يلاحظ أيضاً أن هذه الحركات المسلحة تبدو خاوية تماماً من أي رؤية سياسية وطنية موضوعية، فكل الذي يشغل ذهنها الآن هو أن تحمل السلاح وأن تحلم بالوصول الى السلطة. لم نسمع أية أطروحات وطنية جادة وعميقة من أي حركة مسلحة؛ لم تقدم أي حركة كتاباً يحوي -بموضوعية ووضوح- رؤاها ومنطلقاتها الفكرية واستشرافها وكيفية تعاطيها مع المستقبل وهذه قضية تهدد تهديداً مباشراً دوافع هذه الحركات وكونها فقط استهواها السلاح واستهوتها حياة الفيافي والسهول والسلب والنهب وتعكير صفو الحياة.
الأمر الآخر أن هذه الحركات المسلحة ارتبطت جميعها -بلا استثناء- بجهات دولية وإقليمية وأصبحت (تابعة ذليلة) لهذه الأفلاك التى تدور فى مدارها، وهي أيضاً قضية بالغة الخطورة تتهدد مستقبل السودان لأن كل من قدم ولو فلساً واحداً لهذه الحركات المسلحة سوف يظل فى انتظار أن يجني الربح من وراء ما قدم.
وعلى ذلك فإن أزمة العمل المسلح فى السودان ستظل أزمة حاضرة وخطيرة ومؤسفة لأن المؤلم فيها الذين يحملون السلاح ويعتقدون أنهم مظلومون ومحقون ولكنهم يتناسون ويتجاهلون أنهم بهذا المسلك يساعدون الآخرين –من الخارج– على تحطيم بلادهم والقضاء عليها تماماً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة