القراءة الأمريكية الخاطئة للأوضاع في السودان!

تبدو مواقف الولايات المتحدة الامريكية حيال مجريات الاوضاع فى السودان بصفة عامة مواقفاً مرتبكة غاية الارتباك.. وفي العادة فإن واشنطن وإن كانت تجيد قراءة الاوضاع إلا أنها سرعان ما تخفق فى إتخاذ الخطوة المناسبة. 

فعلى سبيل المثال فإن فشل المبعوث الخاص ( دونالد بوث) فى الوصول الى الخرطوم طوال الأشهر الماضية كان يعني أن الخرطوم تدرك أن واشنطن ليس لديها (شيء) تقوله أو تفعله يفيدها؛ وقد أدركت واشنطن هذه الحقيقة وقرأتها جيداً لأن السودان قال عبر وزارة الخارجية انه لن يمنح تأشيرة دخول للمبعوث الخاص إلا إذا أبان الرجل طبيعة ما يود مناقشته، ومع مَن مِن المسئولين السودانيين؟ 

فهمت واشنطن الأمر وقراته جيداً ولكنها كابرت وبدت وكأنها قد صرفت النظر عن حضور مبعوثها الخاص، غير أنها وجهت (طلقات رصاصها) فى اتجاه آخر، فقد وجّهت (بغضب غير مبرر) وعبر حديث غير دبلوماسي يعوزه المنطق انتقادات للإتفاقيات السلمية التى أبرمتها الخرطوم مع الحركات الدارفورية المسلحة فى منبر الدوحة! 

انظر كيف كانت خطوات واشنطن متعرجة وغير مناسبة، بل وكارثية؟ فقد كان هذا الموقف بمثابة دفع وتحريض للحركات المسلحة بألاّ تجنح للسلام. بل كان تحريضاً مباشراً للحركات الموقعة على اتفاقية الدوحة لكي تتحلل منها تماماً حتى يعم العنف من جديد اقليم دارفور! 

واشنطن استبدلت غضبها من عدم السماح لمبعوثها الخاص بالوصول الى الخرطوم بغضب يحاول هدم كل ما هو قائم فى السودان. وليت الأمر وقف عند هذا الحد؛ عادت واشنطن -بعد أيام قلائل من التصريحات السابقة- لتصدر بياناً عبر خارجيتها -لاحظ عبر خارجيتها- ينتقد قوات الدعم السريع، وهي قوات نظامية سودانية تابعة للجيش السوداني ويقودها ضابط بالجيش السوداني برتبة اللواء، معتبرة إياها قوات تعمل على نشر العنف وتوسيع نطاقه فى درافور! 

كان واضحاً أن واشنطن قررت أن تظل توجه طلقاتها الى الخرطوم بصرف النظر عن ما اذا كان تصيب أم لأ. كان واضحاً أيضاً أنه وفى سبيل ذلك لا يهمها أن تنتقد أيّ شيء حتى ولو أن ما تنتقده أمر عادي يخص جيش حكومي تعلم هي قبل غيرها أن قضايا القوات والجيوش قضايا سيادية. 

دعونا نتصور أن السودان يصدر بياناً عبر وزارة خارجيته ينتقد فيه (القوات الامريكية الخاصة) التى تعمل فى مناطق افغانستان وباكستان أو غيرها من المناطق التى دخلت إليها القوات الامريكية دون أدنى حق! بل كيف سيكون الأمر لو أن دولة من الدول انتقدت وجود (المارينز) فى الأسطول السادس الامريكي فى عرض المحيط المتوسط؟ ذلك ان تقسيمات الجيوش الداخلية ما بين قوات خاصة أو تدخل سريع أو غيرها أمر يخص الدولة وجيشها ولا يحق لطرف آخر -مهما كان جبروته- أن يتدخل فيه. 

هذه كلها اشارات واضحة الى أن واشنطن تبحث عن (منفذ) دولي لكي تعيد وجودها فى السودان، فقد خرجت منه يوم أن أكملت -بغباء نادر- فصل جنوب السودان ثم ما لبثت أن فجعت وما تزال فى فجيعتها باشتعال الاوضاع على غير انتظار فى دولة جنوب السودان فى تطور من المستحيل التنبؤ بمآلاته على المديين المتوسط والبعيد. 

خروج واشنطن من الخرطوم وفشلها حتى الآن فى معرفة السبيل الآمن للعودة اليه ناتج جراء سياسات غشمية مارستها هذه الدولة العظمى التى كما أسلفنا، أحسنت القراءة إلا أنها لا تحسن الاجابة الصحيحة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة