العمل المسلح والثمن الباهظ.. دولة الجنوب نموذجاً!

الدروس الوطنية والعبر التى تخلفها أحداث التاريخ ليست حكراً على بلد دون بلد، فهي فى منتهاها شراكة إنسانية للكافة ولهذا فإن الناظر الآن الى الأوضاع الأمنية المؤسفة فى دولة جنوب السودان، والصراع المسلح الشرس الذي لا استثناء فيه، ودرجة التلاعب الدولي وعبث بعض المنظمات، وأجندة العديد من القوى الإقليمية والدولية هناك يتأكد له أن أي عمل مسلح له أبعاد وارتباطات خارجية فى أي دولة لا يمكن أن يفضي فى خاتمة المطاف الى نهاية سعيدة.
الحركة الشعبية قاتلت شمال السودان وحكومته المركزية فى الخرطوم لعقدين ونيف من الزمان؛ جلبت فيها الدعم والسلاح والأموال من شتى أنحاء العالم بما فى ذلك إسرائيل ولم تتوانى فى إنشاء أحلاف مع قوى ومنظمات دولية مشبوهة حتى انتهى بها المطاف -بعد كل ذلكم الجهد الشاق الطويل- الى إنشاء دولتها الخاصة المستقلة فى جنوب السودان.
غير أن المفارقة كانت أن ذات حلفاء الأمس وذات المنظمات التى كانت ظهيراً لها فى صراعها الدامي مع الخرطوم عادت لتلعب ذات اللعبة ضدها وفي عقر دارها!
دولة الجنوب تشكو الآن -سراً طبعاً- مر الشكوى من مؤامرات يقوم بها بعض موظفي الأمم المتحدة! فقد أورد موقع (افريكان ريفيو) فى تقرير له الأسبوع الماضي أن السلطات الحكومية فى دولة الجنوب أوقفت شاحنات تابعة للأمم المتحدة وهي تنقل أسلحة بشتى الأنواع، خفيفة وثقيلة الى مناطق يسيطر عليها متمردو دولة جنوب السودان!
مسئولي الأمم المتحدة لمداراة الفضيحة قالوا إن الشاحنات تخص قوات حفظ السلام الأممية وأنها ضلت طريقها! وهو عذر تحمر له الوجوه خجلاً لأن المنطق -للأسف الشديد- مصادم له، والأمر فى سياقه العادي لمن يقرأ ويستوفي قراءة طبيعة الذهنية الغربية فى تعاطيها مع قضايا الدول الأقل منها، بمثابة ممارسة (يومية) معتادة لا غرابة فيها فالمنظمات الأجنبية والتنظيمات الدولية دائماً لديها أجندتها وحساباتها الخاصة والتي هي بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة للبلد المعني.
هذا المثال أردنا به الهمس فى آذان حملة السلاح حالياً فى منطقتيّ جنوب كردفان والنيل الأزرق الذين يحتذون بالحركة الشعبية ويعتبرونها مثلهم الأعلى فى النضال وتقرير المصير والحصول على دولة خالصة مستقلة. فالحركات المسلحة الناشطة الآن والتي ربطتها ظروف نشاطها بالعديد من المنظمات الدولية وأخذت تمويلاً -بآجال ميسرة- من دول أجنبية معادية موعودة بذات هذا المصير المؤلم الذي آلت إليه الحركة الشعبية فى دولة جنوب السودان، إذ ليس الأمر هنا يتعلق فقط بأن (لكل شيء ثمن) وأن أصحاب القروض السياسية طويلة الأجل سيأخذون حقوقهم (بأيديهم) كاملة فى وقت غير مناسب و (بسعر فائدة) باهظ الكلفة؛ ولكن الأمر يتعلق هنا باستحالة ترك (الكيكة) كلها لهؤلاء المتمردين، فهاهو الرئيس كير ورفاقه وقبل أن تنقضي ثلاثة أعوام على قيام دولتهم يتعين عليهم سداد ما تم دفعه لهم وتواجههم ذات المعضلة التى كانوا فى السابق يعتقدون أنهم بعيدين عنها وأن الدول الغربية الكبرى (لمحبة زائدة) تكنها لهم مستعدة لفعل المستحيل من أجلهم!
هاهو الواقع الآن يعايشونه بمرارة لا مجال فيها للشكوى ولا مهرب وتلك مصائر كل الحركات المسلحة التى آذت مواطنيها وخربت بلدانها من أجل لا شيء!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة