قبل العودة الى التفاوض مع قطاع الشمال!

بالطبع لن يتسرع مجلس السلم الإفريقي -وهو يدرك المخاطر المترتبة على ذلك- فى الدفع بملف المفاوضات مع قطاع الشمال رغم كل ما فيها من عبثية سياسية واضحة الى مجلس الأمن الدولي؛ إذ أن كل التوقعات تشير الى أن مجلس السلم الإفريقي سيعيد الملف مرة أخرى –بموجهات أفضل– الى الآلية الإفريقية الرفيعة المستوى بعدما قرر تجديد التفويض للرئيس ثامبو أمبيكي.
غير أن عودة الملف من جديد الى الآلية الرفيعة وعودة الوفدين الى طاولة المفاوضات فى أديس أبابا رهين فى الواقع بعدة نقاط إستراتيجية مهمة لا غنى عن استصحابها إذا أريد لهذه المفاوضات أن تحقق اختراقاً حقيقياً.
أولاً، من الضروري إعادة النظر فى تشكيلة وفد القطاع. وربما يقول قائل إن هذه النقطة صعبة ومن المستحيل أن يرضى بها قطاع الشمال، ولكن بالمقابل فإن دخول مفاوضات كهذه هكذا دون إعداد جيد مسبق ودون مراعاة لطبيعة النزاع ووجود أطراف مؤثرة وهامة من المنطقتين لا يساعد مطلقاً على تحقيق أي تقدم مهما كانت المعطيات الماثلة.
صحيح أن واشنطن تمارس نوعاً من التسويف والمماطلة عبر رئاسة الوفد الحالية الموكلة الى ياسر عرمان وأنها تود تحقيق أهداف أخرى خاصة بها، ولكن بذات القدر فإن المنطق يفرض أن تتسم المفاوضات بشيء من الجدية ولو فى حدها الأدنى، لا أن يبدو الأمر وكأنّ المقصود هو استغلال قضية المنطقتين لأغراض وأهداف أبعد ما تكون عن مصلحة أهلها.
ثانياً، الضغط على قطاع الشمال باعتباره الطرف الذي بادر منذ البداية بطلاق الطلقة الأولى حتى يستجيب لقرار وقف إطلاق نار شامل ليس فقط لأغراض إنسانية ثبت أنها لا تعدو كونها مجرد تمويهات وإلتفاف على القضية الأساسية.
لماذا لا تضغط واشنطن فى اتجاه دفع القطاع لوقف إطلاق نار محترم وجاد بحيث يصبح ضوءاً فى النفق المظلم فى المنطقتين يتيح حلحلة كافة قضاياها بسهولة؛ ذلك إن أردنا الإنصاف فإن القطاع لا يكن أن يتساوى من ناحية القدرة والقوة بالقوات الحكومية السودانية، وإلا لكان قد حسم أمره فى إسقاط النظام كما يزعم.
القطاع أقل شأناً من القوات الحكومية ولهذا فإن فى جنوحه نحو وقف إطلاق النار بداية طيبة لمحادثات مجدية لأنه بذلك يوفر قوته وفى الوقت نفسه يتيح نقاشاً جاداً للقضية.
ثالثاً، عدم الالتفات مطلقاً لأطروحة الحوار الشامل الذي ابتدرته الحكومة السودانية فهو فى حد ذاته مهم لتقوية بناء وطني أفضل يساعد فى أي مرحلة من المراحل فى حل قضية المنطقتين بصورة أكثر موضوعية ولهذا فإن تشجيع الحوار الوطني إنما يتم من خلال عدم الانشغال به أو انتظار مخرجاته وتركيز النظر فقط في الوقت الراهن باتجاه أن تفضي مفاوضات القطاع والحكومة الى بر آمن.
إذا توفرت هذه المؤشرات المهمة أو توفر جزءاً منها قبل العودة الى طاولة المفاوضات فإن من المتوقع أن تسير المفاوضات سيراً حسناً، أما إذا ما كان كل رغبة واشنطن ومن وراءها عرمان ورفاقه هو التلاعب بالقضية بغية التسويف والمماطلة وشراء الوقت فلا حاجة لأحد أن يتم تجديد تفويض الآلية الرفيعة وشغل الناس بقضية فارغة المحتوى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة