الأمين العام للأمم المتحدة وتقرير مبتور!

الأمين العام للأمم المتحدة وتقرير مبتور!

لا شك إن التقارير الدولية الدورية التى عادة ما تقدمها جهات مكلفة بمهام مفوضية من المنظمة الدولية أو مجلس الأمن، هي تقارير مهمة لكونها واحدة من أهم عناصر المعالجة، وقراءة الأوضاع على الأرض وكيفية حلحلة الأزمة. غير إن الملاحظ بشأن هذه التقارير الراتبة، إن معديها غالباً ما يعدونها وهم تحت تأثير آراء أطرف بعينها، او دعاية إعلامية او سطوة جهات وقوى تود الاستفادة سياسياً من وراء هذه التقارير.


في أكتوبر الماضي قدم الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيرش) تقريره الربع سنوي الخاص بالبعثة المشتركة المكلفة بمهمة حفظ السلام في دارفور (يوناميد) وأورد التقرير استقراراً نسبياً في الأوضاع الأمنية مع وجود مصادمات بين القوات الحكومية و حركة عبد الواحد في جبل مرة، وجود زيادة وصفها التقرير بأنها (طفيفة) في اعداد القتلى جراء الاشتباكات مع استمرار منازعات الرعاة و المزارعين، خاصة النازحين العائدين إلى قراهم.
وأشار التقرير أيضاً إلى ما أسماه (توقف العملية السلمية) في دارفور مع بطء قال التقرير ظل ملازماً لإجراءات تنفيذ وثيقة الدوحة و تلاحظ في هذا الصدد ان الأمين العام أسهب في تقريره المطول في تفاصيل الاصطدام بين القوات السودانية الحكومية وحركة عبد الواحد في منطقة (قولو) و محور (تارنتار) (قورلمبورج) ومنطقة صابون الفقر وتطرق لهجمات قال إن الزريقات يشنونها لمضايقة النازحين، وتناول التقرير أيضاً حملة جمع السلاح التى أطلقتها الحكومة وأثرها على تحسن الأوضاع الأمنية وتحدث عن الموقف الجنائي من خلال (يوميات التحري) في أقسام ومخافر الشرطة باعتبارها حالات عامة لانتهاكات حقوق الإنسان متهماً القوات النظامية بارتكاب جرائم اغتصاب واعتداء بدني.
وأشار التقرير إلى وقوع 600 حالة اعتداء ضد اليوناميد وموظفي المساعدات الانسانية منها 46 حادثة سرقة داخل مباني ومقر اليوناميد، إضافة إلى منع الحكومة السودانية قوات اليوناميد من القيام بدوريات في 18 مناسبة.
غير ان التقرير في واقع الأمر و إن أورد حوادث و أحداث حدثت بالفعل إلا انه لم  يوردها كوقائع وعلى نحو مجرد و موضوعي، فالحديث عن شن الحكومة مثلا لهجمات يشي وكأنّ الحكومة تبادر بشن هذه الهجمات، بينما واقع الأمر ان حملة السلاح يقومون بمهاجمة مناطق وتضطر الحكومة – في إطار قيامها بواجبها السيادي – لشن هجوم مضاد، ففي منطقة (جاوا) هاجم حملة السلاح المنطقة وقتلوا في الهجوم 5 من جنود الجيش السوداني ومع كون الحادثة تعتبر خرقاً لوقف اطلاق النار من جانب حملة السلاح، إلا ان التقرير -للأسف- يظهرهم كضحايا في الوقت الذي فيه يمارس الجيش السوداني حقه في الدفاع عن نفسه!
وفي ما يخص الصراعات القبلية فان واقع الأمر ان هذه الصراعات صراعات بين الرعاة و المزارعين و ليست إقتتالاً او صراعاً قبلياً والفارق جوهري جدا بين التوصيفين! كما ان هجمات الزريقات المشار إليها هي ليست هجمات وإنما هي ردود أفعال حتمية جراء قيام حملة السلاح – (عناصر حركة عبد الواحد) – بسرقة مواشي الزريقات، فمن الطبيعي ان يحاول الزريقات استرداد ماشيتهم وهو حق طبيعية غير ان التقرير اغفل الإشارة إلى المسببات وهي مهمة.
وأما بخصوص السرقات التى تقع داخل مقر اليوناميد فهي دون شك مسئولية البعثة، فهي تقع من منسوبيها لان مبانيها حصينة وشديدة التأمين بما لا يُتصور تسوًّرها أو اختراقها!
وهكذا، يبدو جلياً ان التقرير يورد وقائع وأحداث دون إيراد أسباب او ملابسات بما يفرغ الوقائع و الأحداث من سياقها العام، وهو بهذه المثابة  تقريرا مبتور لا يساعد على فهم و استيعاب طبيعة الأوضاع على نحو يمكن اتخذا قارا على أساسه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة