استحالة استجابة شعب السودان لدعاء المعارضة السودانية!

استحالة استجابة شعب السودان لدعاء المعارضة السودانية!

 أساءت قوى المعارضة السودانية فهم الشعب السودانية مرة أخرى. فقد اعتقدت خطاً ان شعب السودان (يدعوها) لتسلم الجائزة السياسية التى لطالما انتظرتها طويلاً و ظلت تترقبها. ما أن احتج المواطن السوداني في سياق حقه المشروع للتعبير عن رأيه حتى ظنت قوى المعارضة السودانية ان شعب السودان فعلها، أطلق الشرارة و شد المئزر وعلى القوى المعارضة الحضور لتسلم الراية!

المشهد نفسه مؤسف ومخجل فعلى مدة العقود الثلاث الماضية ظلت القوى ذاتها تتخاصم في ما بينها، وتختلف و ينسلخ هذا الجسم من ذاك، ويخرج هذا القيادي ويكون منظومة خاصة به، ويخرج بعضهم إلى الخارج  لاشهر وسنوات ومطعمه السياسي حرام و مشربه الوطني حرام وغُذِّي سياسياً بالحرام و مع ذلك ينتظر شعب السودان ان يستجيب له!
الأزمة الاقتصادية الراهنة في السودان عادية وعابرة، واعترفت بها الحكومة نفسها منذ الوهلة الاولى، بل ان الحكومة مارست قدراً كبيرا من الصراحة الشفافية، منذ بداية الأزمة ولم تخف شيء، وأقرت -علناً- بحق المتظاهرين في الاحتجاج والتظاهر السلمي و لم تتدخل إلا حينما وقعت جرائم حرق وتدمير و نهب وإلحاق اضرار بالممتلكات العامة.
ولعل اسطع دليل مادي قاطع على ان الحكومة لم تحظر حق التظاهر والاحتجاج أن الأحداث التى وقعت يوم الأربعاء 19 ديسمبر في عطبرة و دنقلا ثم القضارف وقعت خلالها جرائم حرق و تدمير لممتلكات عامة مثل البنوك و ديوان الزكاة. ومن المؤكد ما كانت مثل هذه الجرائم لتقع لو ان الحكومة كانت تمنع حق التظاهرة او حتى تربصت بالمتظاهرين، أو حاولت منعهم.
كان واضحاً ان هناك مخربين استغلوا الأحداث و نفذوا جرائمهم لمصلحتهم الخاصة او لمصلحة من هو وراءهم. في ظل ظروف وملابسات كهذه فان من سوء التقدير الذي يصل إلى حد الغباء ان يعتقد قادة المعارضة ان الأمر ما هو إلاّ (هبة شعبية) و ثورة و انتفاضة رائعه! إذ إن الأمر المخجل هنا –وما أكثر ما يخجل كلما تعلق الامر بالمعارضة السودانية– ان قادة المعارضة سارعوا لامتطاء ظهر المحتجين، ليكونوا اقرب إلى غصون الشجرة العالية لاقتطاف الثمار اليانعة.
قوى المعارضة ظلت لسنوات بعيدة عن هموم شعبها، شديدة التباغض في ما بينها، لا تجد حرجاً في التآمر مع الآخرين من خارج السودان، لا تعتقد ان وضع اليد مع حملة السلاح عبر تحالفات من الحرمات الوطنية، و الأكثر سوءاً تظن ان المواطن العادي البسيط لا يعرف شيئاً عن موائدها (الخارجية) وعن (الحسابات السرية) و اللقاءات التى تعقدها مع مدراء المخابرات الأجنبية و تفشي لهم الأسرار و تبيع الخُرط و تساوم بالحقائق، ثم تعود ببراءة تحسد عليها تنتظر مظاهرة او احتجاج لتلقي بشباكها في مياهها العكرة ترجو صيداً سهلاً وسريعاً!
لقد صدق احد قادة المعارضة حين أقرّ في لحظة نادرة من التجلي ان عداء قوى المعارضة فيما بينها و في مواجهة بعضها البعض يفوق عداءها مجتمعة حيال خصومها في السلطة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة