الطبخة النيئة!

الطبخة النيئة!


 منذ أول مشهد للمؤتمر الصحفي الذي عقدته من يطلقون على أنفسهم (الجبهة الوطنية للتغيير) كان واضحاً ان الحضور وصلوا إلى مقر المؤتمر وهم (على عجلة من أمرهم) فقد تصوروا إن التظاهرات بالغة القصر الرئاسي لا محالة و أنها ستصل إلى محطتها الأخيرة المنشودة ربما في غضون ساعات!

ولذا فان عليهم ان يستعجلوا بلوغ المحطة الأخيرة على الأقل إن فاتهم القطار! وحين تتأمل الوجوه تجد ذات الملامح القديمة التى تكررت في منعطفات عديدة في تاريخ السودان، ولكنها كان بكل المقاييس فاشلة. الدكتور غازي صلاح الدين و مبارك الفاضل -لسوء حظهما- جسدا تجسيداً مؤلماً فشل الجبهة الوطنية في العام 1976 على عهد الرئيس نميري دون ان يدركان أنهما -بهذا الظهور الباهت- وبعد مرور أكثر من 40 عاماً ما يزالوا في ذات محطة الفشل ولعق الجراح و البكاء على الماضي!
ومن المؤكد ان (المهندس المقيم) لمشروع الجبهة الوطنية للتغيير هو السيد مبارك الفاضل، السياسي البرغماتي، الأكثر ميلاً للمغامرات ودخول حقول الألغام دون حساب و دون قراءة و في أحسن الأحوال بقراءة خاطئة تماماً. مبارك الفاضل اشتهر بـ(الطبخات السياسية النيئة) لا يصبر على وضعها على النار ولا يحرص على ألا تحرقه النار، وفى النهاية يحاول أكلها وهي (نيئة)!
فعل ذلك من قبل حين اخترع الإصلاح والتجديد ودخل بطبخة غير مستوية إلى دهاليز القصر الرئاسي وهو يهدف كما قال من قبل -بسذاجة وسطحية مدهشة- الفصل بين الرئيس وبقية معاونيه وقادة المؤتمر الوطني!
مبارك الفاضل دخل في شراكة سياسية وقتها (كحصان طروادة) الشهير لكي يفتح الباب ويحدث إنقلاب دخل بيت الانقاذ من الداخل! وكانت النتيجة المحتومة واحدة؛ الفشل ثم الإلقاء خارج أسوار القصر ولعق أصابعه المحترقة، ثم خسارته المدوية لابن عمه وخسرته لمكانته في حزب الأمة .
ثم لم يلبث أيضاً من عادة مرة أخرى تحت غطاء الحوار الوطني، وكرر ذات المحاولة ولكنها لم تنجح أيضا ليخرج مرة أخرى ويجد عقبة كئود في العودة لحظيرة حزبه! رجل -بهذه المواصفات الانقلابية- وهذه الصفة المغامرة وهذا النزوع نحو بلوغ القمة عبر الطيران الرأسي دون أجنحة ولا معنيات لا يمكن ان يحقق هدفاً عاما قط، وكان أكثر ما يبعث على الأسى من المشهد العام للمؤتمر الصحفية البساطة المغرقة في السطحية في الطرح (تسليم مذكرة بالرحيل للرئيس البشير)!
مجرد مذكرة ممهورة بتوقيعات ربما ملّها الرئيس بحكم كونها كانت تطالعه يومياً في حقب ماضية، كفيلة بحل الأزمة ومن ثم الشروع في وضع تصور لترتيبات انتقالية ومجلس سيادة وحكومة كفاءات!
كان مدهشاً ان تلمس الأمل، ورفرفة الأحلام، و نعومة العملية كلها وطلاقة الوجوه الحاضرة في استشراف عهد جديد آت لا ريب! ولم يكن مدهشاً بدرجة كبيرة ان غالبية الحضور هم قيادات الصفوف الخلفية للقوى السياسية المعارضة (عمر عامة واحد وعمر عامين)! ولكن ما كان مدهشاً بحق ان الدكتور غازي صلاح الدين جالَس هؤلاء القادة وتقاسم معهم الحلم المستحيل وأنه عاد من جديد ليجاري (عديله) مبارك الفاضل دون ان يستحضر ماضي الرجل وخسائره و سطحية تفكيره السياسي!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة