الملحمة الشعبية الرائعة التى سطرتها قطاعات الشعب السوداني في الساحة الخضراء
لم تكن الملحمة
الشعبية الرائعة التى سطرتها قطاعات الشعب السوداني في الساحة الخضراء
ظهيرة الأربعاء الماضي التاسع من يناير 2019 مجرد حشد، أو مسيرة تأييد
للرئيس البشيرة فحسب، ولكنها في حقيقة الأمر كان بمثابة (قوة دفع) لواحدة
من أهم و أبرز الوثائق الاستراتيجية السودانية التى تمثل موضع فخر سياسي
لمختلفة أطياف السياسة في السودان وهي (وثيقة الحوار الوطني).
وثيقة الحوار الوطنية الذى انطلق في عام 2014 ولامس العام 2016 وقدمت فيه مئات الأوراق، و مئات الرؤى في المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافة و الإدارة وقالت فيها القوى السياسية السودانية وفئات المجتمع السوداني و منظمات المجتمع المدني كل رؤاها بحيث خلصت الوثيقة لما يجاوز الـ971 نقطة ونتيجة التزمت الحكومة السودانية التزاماً قاطعاً بإنفاذها على الأرض.
هذه الوثيقة السودانية التى أنجزها السودانيون دون وسطاء او مسهلين او ترويكا أو غيرهم، هي الوثيقة التاريخية المفصلية في التاريخ السياسي السوداني الحديث. ولهذا فان المسيرة الشعبية الأضخم من نوعها – ظهيرة الأربعاء الفائت – لم تزد عن كونها تأكيد عملي بواسطة قوى الشعب المختلفة على أهمية هذه الوثيقة وضرورة الالتزام بها.
وعلى ذلك فان عبقرية شعب السودان في واقع الأمر يمكن ان تلحظها في هذه الممارسة السياسية العالية الوعى وذلك لان وثيقة الحوار في ذهن كل السودانيين هي وثيقة أساسية ، إستراتيجية تكمن أهميتها في:
أولاً، هي العاصمة السياسي الكبير ضد عمليات الاحتقان السياسي و الاستقطاب الحاد ومن تقاطعات الرؤى ، فطالما نالت رضا الجميع وشرعت الحكومة الوفاقية المنبثقة أصلاً من بين ثنايا الوثيقة في تنفيذها عملياً؛ فهي إذن بمثابة (مرجعية إستراتيجية) لا تقل أهمية عن بنود الدستور و القانون الأساسي، فهي أقرت عدد من الأمور السياسية المهمة التى تقطع الدائرة الخبيثة ما بين الانقلابات العسكرية، و التعددية والفترات الانتقالية لأنها اعتمدت (التداول السلمي للسلطة ) و أقرت ان آلية الانتخابات العامة وحدها هي السبيل للتداول السلمي للسلطة وألا مجال للقفز فوق المراحل او حرقها، او فرض إرادة من قبل قوى معينة على قوة أخرى.
ثانياً، وثيقة الحوار الوطني أيضاً وضعت حدود فاصلة في ما يخص القضايا الكلية المتعلقة بالحرب والسلام و تجنب حمل السلاح و التخريب و تعطيل نهضة الدولة، ومن المؤكد ان التظاهرات المصحوبة بعمليات قتل و تخريب و إضرار بالممتلكات العامة مخالفة لكل مرجعيات وأسس وثيقة الحوار الوطني لأنها تهدم ولا تبني و تؤخر ولا تقدم وتشيع الفوضى وتطعن القانون في صميم نصوصه.
ثالثاً، من المؤكد ان التخلي عن وثيقة الحوار او انتهاك لبنودها او طي أوراقها من شأنه (إعادة إنتاج الأزمة) وقد تعافي السودان لتوه من حروبه، ومنازعاته وحالة الاحتقان السياسي غير المجدية ، وبدأ يخط طريقه في الاستقرار و التداول السلمي للسلطة .
رابعاً،/ المصاعب و المتاعب الاقتصادية التى يعانيها السودان ليست وليدة اليوم او الأمس القريب، بدليل ان الجانب الاقتصادي نال نقاشا مطولاً في مشروع الحوار و بدأت حكومة الوفاق الوطني في تنفيذ مخرجات الحوار ومن الضروري هنا إتاحة الفرصة كاملة لحكومة الوفاق –مهما كان صعوبة الأمر– لكي تصل إلى حلول جذرية للازمة.
خامساً، الحشد او المسيرة في الساحة الخضراء كانت (تذكير) من قبل العقلاء من شعب السودان المتحلي بدرجة عالية من الوعى بأن الحكومة التى يجري التظاهر ضدها ليست حكومة تخص جهة سياسية بعينها، ولا هي حكومة حزب او فئة سياسية معينة ، هي حكومة وفاق تضم عشرات الاحزاب السياسية المؤمنة بالحوار والقابضة على جمره، و القدرة على صيانته و المحافظة عليه.
ان وثيقة الحوار الوطني -لمن نسي او أخذته العزبة بالتظاهرات- هي عنوان الممارسة السياسية الحضارية للسودانيين وهي ملك الشعب آمن بالحوار، ولغة الأخذ و الرد وصولاً إلى مصلحة البلاد العليا على طريقة تأسيس الدولة السودانية الحديثة .
تعليقات
إرسال تعليق