تحديات الحوار الوطني.. عندما يهزم العُنف التفاوض..؟

الخرطوم : إمام دفع الله
عندما تطرق آذانك عبارة (لغة العُنف سادت وأصبحت لغة الحوار شاقة ومعقدة بالبلاد)، فإن ثمة خوف سيتغلغل في دواخلك، ولكنك قد لا تُعبر هذه العبارة اهتماماً إن بدرت من سياسي أو شخصية حزبية بحكم توجهاتهم التي قد تجرح في شهادتهم، والعكس عندما تبدُر من شخصيات أكاديمية انتماؤها للوطن هو الوحيدالذي يستوطن في دواخلها، وواقع تلك العبارة كان مسرحتها قاعة الشارقة أواخر الأسبوع المنصرم، عندما تداعى مجموعة من أساتذة الجامعة لذاك الموقع للحديث بكل شفافية عن "الحوار الوطني وتحدياته" من خلال ندوة نظمها مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام بجامعة أم درمان الإسلامية بالتنسيق مع الجمعية السودانية للعلوم السياسية.
حرب أهلية
حيث رسم مجموعة الأكاديميين في تلك الندوة، صورة قاتمة لمستقبل البلاد في ظل تباعد الرؤى بين الحكومة والمعارضة بشأن الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، في يناير الماضي، وقد جاء حديث أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور حسن الساعوري، صادماً ومخيفاً في ذات الوقت حين قال إن السودان في طريقه إلى حرب أهلية لا تبغى ولا تذر، ولم يستبعد أن يؤدي خلاف الحكومة مع المعارضة والحركات المسلحة إلى صراع دموي، ورأى أن مستقبل الحوار الوطني قبر.
أزمة سياسية
ولفت الساعوري إلى أن السودان في أزمة سياسية بسبب الصراع القائم على التصعيد السياسي والعسكري والتوتر الحاد بين الحكومة والمعارضة والحركات المسلحة وقال إن الحكومة لجأت للدعوة إلى الحوار الوطني بعد أن رأت أن الطرق مسدودة في وجهها. ونبه الساعوري إلى أن (نداء السودان) كان بمثابة إعلان عن (موت الحوار الوطني)، كما نبه إلى أن المعارضة تخطط لمواجهة سياسية وعسكرية لاستلام السلطة، وقال إنها لا تريد حواراً أو سلاماً مع الإنقاذ، كما أن بعض قادة المعارضة لا تريد وجود الحكومة وحزب المؤتمر الوطني في الساحة مما جعلها تخطط لتفكيك نظام الإنقاذ كاملاً من خلال الحوار والموافقة على حكومة انتقالية أو قومية تشرف على الانتخابات.
المستفيد الأكبر
وتطابقت رؤية الساعوري التي لم تخل من التوجس، من قراءة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري د. آدم محمد أحمد، حين ذكر أن واقع الحال ينذر بحرب أهلية شاملة وتدخل للمجتمع الدولي وفرض للوصاية الأجنبية. ورأى د. آدم أن المستفيد الأكبر من الحوار الوطني حزب المؤتمر الوطني مهما كانت مخرجاته واستدرك إلا في حال كان تفكيك الجيش والشرطة والأمن والمؤسسات الاقتصادية أحد مخرجاته.
معوقات الحوار
وحدد د. آدم، معوقات الحوار في عدم الثقة بين أطراف الحوار، عدم احترام القانون والدستور، عدم الاعتراف بالأخطاء السياسية، إعدام شمولية الحوار، بجانب الفساد السياسي والاقتصادي وصعوبة تحديد المشاركين في الحوار الوطني وعدم تهيئة بيئة الحوار.
لغة العنف سادت
ولم تكن رؤية الساعوري وآدم، بعيدة عن رؤية آخرين من قبيلة الأكاديميين حيث رأت أستاذة العلوم السياسية بجامعة النيلين د. سلافة عثمان، أن لغة العنف سادت بعد أن أصبحت لغة الحوار أعقد لغة بالبلاد مما جعل ثقافة العنف مضادة لثقافة الحوار، في ظل إقصاء الآخر وغياب ثقافة الحوار.
مشكلة هيكلية
فيما رأى مدير مركز تحليل النزاعات بجامعة أم درمان بروفيسور راشد التجاني، أن البلاد تُعاني من مشكلة هيكلية في بنيتها الثقافية يصعب معها تجاوز معضلة ثقافة الحوار، مستشهداً بقوله "عام مضى ولا يزال الحوار الوطني يبارح مكانه"، مؤكداً استحالة فصل مفهوم الحوار عن الثقافة باعتبار أن الحوار ثقافة والعكس، مقراً بأن ثقافة الحوار أهملت وهدمت بسبب وجود الثقافة الأبوية المبنية على الخضوع التام في موروثاتنا، بجانب التجزئة الشديدة والسلبية المقعدة والتعصب للرأي والنزعة العدوانية في ظل غياب صدق النوايا والصدق في الحوار وعدم مراعاة حالة من نحاوره.
الأقرب للواقع
بكل هذه التداعيات للحوار الوطني ومستقبله وفي خضم الرؤية السالبة ذات اللون الذي يقارب للسواد بشهادة هؤلاء الأكاديميين الذين تداعوا إلى قاعة الشارقة لقراءة واقع البلاد بالأمس واليوم والمستقبل، تظل أقواس الاحتمالات مفتوحة على كل الأصعدة وإن كان قوس الصراعات والحرب الأهلية هو الأكثر قرباً لمعاينته واقعاً لا خيالاً في ظل تباعد الرؤية بين المكونات السياسية التي أبرزها خروج زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي من سفينة الحوار الوطني، بجانب عدم اعتراف حزب المؤتمر الشعبي بمخرجات لجنة تعديل الدستور البرلمانية، زد على ذلك المناوشات التي تحدث بين الفينة والأخرى في إقليم دارفور وولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة