المهدي يحرِّض مجلس الأمن ضد السودان!

كنتيجة طبيعة لاختياره السياسي الخاطئ وتفضيله منافيه الاختيارية في الخارج فإن السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي المقيم حالياً في العاصمة المصرية القاهرة وجد نفسه يعادي بلاده عداءً تاماً وهو يعتقد انه يمارس عملاً معارضاً ضد الحكومة في الخرطوم!
وعلى كثرة الأمثلة التى يصعب حصرها طوال الأشهر الماضية فإن نموذجاً واحداً فى اعتقادنا يكفي لتبيان المدى المخيف الذي وصل إليه الرجل وهو في خريف عمره السياسي. ففي منتصف ديسمبر الماضي 2014 أرسل المهدي خطاباً باللغة الانجليزية التى إبنته د. مريم في الخرطوم موجهَّاً إلى مجلس الأمن الدولي بصورة (من عدة نسخ) لما يسمى بقوى الإجماع الوطني بالداخل طالباً منهم أن يتدارسوا الخطاب توطئة للدفع به إلى مجلس الأمن!
محتوى الخطاب المطول بإيجاز غير مخل، يستحث فيه المهدي مجلس الأمن على عدم الرضوخ لطلب المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية (فاتو بنسودا) على خلفية إعادتها لملف جرائم دارفور إلى مجلس الأمن، بعد أن فشلت كل محاولات إنفاذ مذكرات التوقيف الصادرة عنها.
المهدي حذر مجلس الأمن من أن يساير مبدأ الإفلات من العقاب بوصفه -أي المجلس- بحسب تعبير الخطاب- راعياً لأجندة حقوق الإنسان. كما مضى المهدي في خطابه مناشداً مجلس الأمن ليس فقط لضرورة إنزال العقاب بمرتكبي الحرب فى دارفور ولكن بتبني خيار إحلال السلام الشامل فى السودان! كما تعرض باستفاضة إلى قضية الحوار الوطني والتي ردد خلالها ذات عبارته المحفوظة. 
الأمر في مجمله بدا غريباً للغاية. صحيح أن المهدي ومنذ أن وضع توقيعه فى الثامن من أغسطس 2014 إلى جوار قادة الجبهة الثورية كان قد نزع تماماً رداءه الوطني؛ وصحيح أيضاً أن المهدي وضمن مخرجات اتفاق باريس ارتضى أن يقوم بعملية تسويق للإتفاق الباريسي على النطاق المحلي والإقليمي والدولي بما يفترض معه إدخال أطراف خارجية في الشأن السوداني. ولكن في ذات الوقت فإن المهدي الذي قضى سنوات طوال بالداخل وهو يتخذ مواقفاً ايجابية حيال قضية محكمة الجنايات الدولية بدا موقفه هنا صارخاً للغاية وهو (كسياسي سوداني) يناشد مجلس الأمن أن يدفع بإجراءات أشد ضد السودان طالما أن الملف تم وضعه أمامه! 
لم يكترث المهدي لا بالمحيط العربي ولا الإفريقي الرافض للمحكمة ولم يكترث الرجل أنه وحتى الذين يقاتلون الخرطوم بالسلاح ولا يكترثون لأيّ قيم، لزموا الصمت؛ بل إن ثالثة الأثافي أن السيد الصادق المهدي لم يجد أدنى حرج فى وضع (الملف السوداني بكامله) أمام مجلس الأمن لإيجاد حل سياسي شامل. 
من المؤكد أن هذه هي الأزمة الحقيقية للقادة السياسيين المعارضين في السودان، أوزانهم السياسية سرعان ما تصبح فى وزن الريشة حالما يتمكن منهم الغبن الشخصي وتسيطر عليهم الخصومة الخاصة، حيث لا اعتبار للملعب السياسي ولا قواعد اللعب ولا اعتبار حتى لمآلات الأمور إذا ما مضت الأمور باتجاه تدابير أشد من قبل مجلس الأمن حيال السودان. فالهدف الوحيد للرجل هو أن ينهار المعبد بكامله على الجميع!
وبالطبع لسنا هنا في موضع الاستغراب من مثل هذه المواقف المؤسفة من قبل قادة سياسيين يعتبرون أنفسهم وطنيين، ولكننا دون شك فى موضع التساؤل عما سيفعله المهدي إذا ما كانت رسالته (السرية) هذه قد وجدت التجاهل التام من قبل مجلس الأمن؟ فياترى ما هو بديل الرجل؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة