تصدعات الجبهة الثورية.. وتوقعات بالإنهيار!


أياً كانت الجهة الإقليمية أو الدولية التي صنعت ما يسمى بالجبهة الثورية وراهنت على أنها من الممكن أن تصبح حركة سياسية وثورية مسلحة تحدث فرقاً في الساحة السياسية السودانية، فإن من المؤكد –وبعد مرور أكثر من 4 أعوام حتى الآن على إنشاء الثورية– أنها غير قابلة للحياة، دعك من أن تحدث الفرق المتوقع. 
فمن ناحية أولى فإن النظام الداخلي والهيكل الموضوع لقيادة الثورية سرعان ما وقع فى شراك التنازع الداخلي بين القادة المختلفين فكرياً وسياسياً ويكفي للتدليل على ذلك أن الثورية حتى الآن لم يحظ برئاستها قيادي من قادة الحركات الدارفورية المسلحة على الرغم من أن النظام الأساسي ينص على أن الرئاسة دورية وتبادلية!
لقد مرت الآن سنوات والرئيس هو الرئيس مالك عقار فى حين أن قادة الحركات الدارفورية المسلحة وكلما انعقد اجتماع يطالبون بحقهم في قيادتها دون جدوى. أزمة التداول السلمي للقيادة داخل الثورية ليست مجرد خلافات عابرة وإنما لها أبعاد إثنية وفكرية معروفة وهي في حد ذاتها تحمل بذور الفشل المتوقع، فقادة قطاع الشمال يعتبرون أن قادة الحركات الدارفورية أقل شأناً وأن قضية دارفور هي الأخرى اقل أهمية بالنظر إلى قضية السودان الجديد! 
من ناحية ثانية فإن الحركات الدارفورية المسلحة وجدت نفسها وعلى نحو مفاجئ تعمل وتنشط فى ساحة معركة بعيدة تماماً عن ساحة معركتها الأساسية فى دارفور. فقد نشطت حركة مناوي وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل فى الصراع الجنوبي الجنوبي فى مناطق كولاية الوحدة وبحر الغزال وخاضوا حروباً ليست حربهم، أللهم إلا من الفائدة المادية التى ظلت تجنيها، وبالمقابل فإن قطاع الشمال مثلاً لم يُعرف عنه انه -ضمن تحركات الجبهة الثورية- قد عمل في مناطق أخرى خارج ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان! 
بمعنى آخر فإن المعادلة تبدو وكأن قطاع الشمال يستأجر الحركات الدارفورية لكي تعمل فى المناطق التى يقاتل فيها ولكنه لا يفعل ذات الشيء فى مناطق دارفور! ولا شك أن هذا الوضع تحديداً تسبب -للمفارقات- في تصدع الحركات الدارفورية المسلحة ووقوع حالات انسلاخ متتابعة خاصة في حركة العدل والمساواة وبذات القدر أوقع انسلاخات فى قطاع الشمال لعل أشهرها المجموعة التي عادت مؤخراً وانسلخت عن القطاع وعقدت مؤتمراً صحفياً داوياً في العاصمة السودانية الخرطوم نددت فيه بقادة القطاع وتوجيهاتهم الأيدلوجية وأموالهم واستثماراتهم الخارجية الضخمة! وهذا معناه أن التحالف فيما بين الحركات الدارفورية والقطاع وعلى عكس ما كان مرجواً تسبب فى افتضاح كل حركة مقابل الأخرى وظهور العيوب المتماثلة وألحق خسائر فادحة بكل حركة. 
من ناحية ثالثة فإن، مأزق قطاع الشمال فى مفاوضاته مع الحكومة السودانية فى أديس أبابا وفاءاً للقرار الدولي 2046 بدأ يمزق فعلياً نسيج الثورية حيث اضطر القطاع في آخر جولة لعرقلة المفاوضات بشتى السبل حتى لا يثير حفيظة الحركات الدارفورية المسلحة. وهو وضع بطبيعة الحال لن يستمر طويلاً إذ سوف يأتي اليوم الذي يضع فيه قطاع الشمال توقعيه على وثيقة سلام مع الحكومة السودانية بدون بقية مكونات الثورية طال الزمن أو قصر، والحركات الدارفورية تدرك هذه الحقيقة، ولهذا بدأت تحتاط لنفسها منذ الآن. 
باختصار فقد أضحى هذا التحالف الذي لم تراعى فيه عناصر الانسجام والتناغم الأساسي مهدداً للتكوين المسلح نفسه، وهو أمر غير قابل للمعالجة في المستقبل المنظور.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة