الأمم المتحدة والسودان.. لسان استعماري مبين!


لم يكن أمراً خارجاً عن المألوف أو مخالفاً للقواعد ان تقرر الحكومة السودانية ان دبلوماسياً أو موظفاً دولياً لم يعد مرغوباً فيه فى السودان. هذه الامور -لفرط عاديتها- تحدث باستمرار فى المحافل الدولية والدبلوماسية وفى كثير من الاحيان يتم الاحتفاظ بها في نطاق الحقائب الدبلوماسية والبريد الروتيني المعتاد للسفارات والمنظمات الدولية لأنها ببساطة شديدة أمور متوقعة وربما لهذا السبب وصفت اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 نصاً واضحاً وصريحاً فى هذا الصدد لم يتضمن هذا النص أية ضرورة أو حاجة لتبيان اسباب طرد هذا المبعوث الدبلوماسي او ذاك الموظف الدولي من عاصمة الدولة المضيفة، ومن ثم يصبح من غير المألوف ان تبدي الدولة أو المنظمة المبتعثة للدبلوماسي المعني استنكارها او ضجرها من هذا الامر ناهيك ان تصر وتطالب بإعادته من جيد! 
هذا بإختصار ما حملته الازمة التي نشبت مؤخراً بين الخرطوم ونيويورك، حين اتخذت الحكومة السودانية أو بالأحرى مارست حقها في طرد كلٍ من علي الزعتري المنسق المقيم للشئون التنموية والانسانية للأمم المتحدة في السودان و (أيفون هيل) المديرة القطرية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في السودان. إذ ما أن أصدرت الحكومة السودانية قرارها هذا حتى ثارت ثائرة المنظمة الدولية وأصدر مكتب الامين العام بياناً مؤسفاً في هذا الصدد عارض فيه القرار السوداني وطالب -على نحو غير معهود وغير لائق- بالتراجع عن القرار!
الخارجية السودانية من جانبها اضطرت للرد على البيان الأممي غير الحصيف وأكدت ان قرارها فى هذا الصدد قرار سيادي. ومن ثم فهو بهذه الصفة غير قابل للتراجع والمراجعة, وكأنّي بالمنظمة  الدولية فى تعاملها مع السودان تتعمد المساس بسيادة الدولة. وعلى ذلك حاولت المنظمة الدولية اختلاق أزمة بينها وبين السودان على الرغم من ان ميثاق الامم المتحدة نفسها المنشئ لها فى العام 1945 -دعك من اتفاقية فينا المشار إليها- اعطت الدولة المضيفة حق طرد الموظفين الدوليين حال تجاوزهم لنطاق تفويضهم ومهامهم التى ابتعثوا لأجلها!
الزعتري وكما هو معروف خاض قبل اسابيع ضمن حوار أجرته معه صحيفة نرويجية في شأن سياسي داخلي ذي طبيعة سياسية محضة وأطلق أوصافاً على الشعب السوداني تحط من شأنه وحاجج الرجل -وعلى نحو يائس وبائس- أنه وقع ضحية لعملية تحريف متقنة من قبل الصحيفة النرويجية! ولأنَّ السلطات السودانية حريصة على مصداقية الرجل فقد منحته الوقت الكافي لإثبات التحريف المزعوم ولكن انقضت اسابيع وأسابيع دون ان ينجح الرجل في إثبات زعمه. 
أما السيدة (ايفون هيل) فالحديث عنها يطول ولكن أقله أنها تجاوزت تماماً مقتضيات التشاور المطلوبة بين منظمتها والحكومة السودانية حتى في أدق التفاصيل وانفردت السيدة هيل برسم سياسة خاصة بها! وهذه أمور بالطبع مخالفة تماماً لقواعد التعاون بين الطرفين إذ أن الامم المتحدة هي منظمة دولية تعنى بالتعاون مع الدول الاعضاء لإنفاذ البرامج المتفق عليها، وهذه هي النقطة الرئيسية المركزية إذ ليست الام المتحدة حكومة دولية تتمتع بصلاحيات خاصة تطبق رغم إرادة الحكومات والشعوب. 
وعلى ذلك فإن الامم المتحدة -إن كان منظمة دولية بحق مهتمة ببرامجها بنزاهة وحيدة- فإن مجرد إعراب الدولة المضيفة عن رفضها لموظف من موظفيها ينبغي أن يكون ذلك موضعاً للإحترام من جانبها، وليس ساحة للعراك غير المجدي. كما أن تاريخ موظفي الامم المتحدة بالسودان حافل بالكثير ممن انحرفوا عن مهامهم التى بُعثوا من أجلها ولم يفعل السودان سوى أنه حال دون استمرارهم وتماديهم فى هذا الخطأ الشنيع .

سودان سفارى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة