فلتغادر غير مأسوف عليها

بقلم: النور أحمد النور
لسان الصراحة والشفافية الذي تحدثت به أخيراً عائشة البصري، الناطقة السابقة بإسم البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي الى دارفور (يوناميد) ينبغي أن يدفع البعثة ليس لمراجعة مواقفها وخط عملها لإستعادة مصداقيتها المفقودة؛ بل مغادرة السودان الى غير رجعة.
عائشة وجهت اتهامات خطيرة تشكك فى نزاهة يوناميد وكفاءتها ومحاولة تغطية فشلها الذريع فى المهمة الاساسية التى أنتبدت من أجلها فى اقليم دارفور وخصوصاً ما يتصل بحماية المدنيين والتواطؤ مع أطراف الصراع فى إخفاء حقائق الانتهاكات الجسيمة التى يتعرض لها المدنيين تحت سمع وبصر قواتها التى تتجاوز العشرين ألفاً، وتضليل الرأي العام الدولي والمحلي بشأن المسئولين عن ارتكاب تلك الانتهاكات.
تم نشر قوة يوناميد فى دارفور رغم رفض الحكومة بشدة نشر اي قوات أممية في الاقليم واعتبرت ان باطن الأرض خير فى حال حدوث ذلك، وفى نهاية العام 2007 أصدر مجلس الامن قراراً بنشرها بعد شهور من الجدل والملاسنات الساخنة بين الخرطوم ودول غربية.
حلت القوات المختلطة (الهجين) محل القوات الافريقية التى شكت مرّ الشكوى من ضيق ذات اليد واستحالة تنفيذ مهامها، وقد رحبت كل اطراف المجتمع هناك بالبعثة المشتركة، باعتبار أنها جاءت تحمل تفويضاً صريحاً يمكن الجميع دونما استثناء من ممارسة حقوقهم والعيش فى قدر معقول من الامن والسلام الذي تحفظه.
غير أن اليوناميد بدأت منذ الوهلة الاولى فى الانزلاق التدريجي نحو هاوية تعقيدات المشكل الدارفوري وإتهمت غير ما مرة حتى من الطرف الحكومي بأنها تدعم المتمردين وتقدم لهم الدعم اللوجستي وتعالج جرحاهم، مستتفيدة من الحصانة والميزات الممنوحة لها بموجب التفويض والاتفاقية مع الحكومة السودانية.
وقد سجلت البعثة فشلاً ذريعاً فى حفظ الامن وحماية المندنيين بل وحتى حماية جنودها الذين يستأسودون فى داخل المدن ولكنهم يتحلوون الى (حملان وديعة) ويهربون رغم تسليحهم وتدريبهم امام قطاع الطرق والنهابين، تاركين وراءهم سياراتهم وأمتعتهم الشخصية، فكيف يُرجى منهم حماية، ففاقد الشيء لا يعطيه. هذا بالاضافة الى الفساد الذي يزكم الانوف واصاب جسد هذه المؤسسة الاممية حتى بدأت تفوح رائحته لمن هم بالخارج، وتم طرح تقرير عن ذلك فى المنظمة الدولية.
ولعل اكبر ملفات الفساد فى يوناميد ملف التلاعب بالوظائف التى تعلنها البعثة من حين لآخر، حيث تباع الوظائف ويكفي انك تحصل على وظيفة بمجرد أن تتعرف على السمسار الخاص بمكتب التوظيف أما يعرف بـ(الأتش. آر) وتدفع المبلغ المطلوب دون النظر الى مؤهلاتك.
قوانين التوظيف فى البعثة واضحة وتنص ضوابطها المنظِمة على توفير فرص عمل متكافئة وبيئة عمل تمجد المبادئ الاساسية للأمم المتحدة، وهي النزاهة واحترام التنوع، وعدم فرض أي قيود على أهلية الرجال والنساء، وتشجيع من ينتمون للمجتمعات المحلية غير أن الواقع يكذب ذلك تماماً.
باتت كل مهمة بعثة (الوناميد) تنحصر فى تحقيق امتيازات لجنودها وموظفيها ومستشاريها، فالجندي الواحد ينال نحو ثلاثة آلاف جنيه شهرياً، وكبار الموظفين يتراوح أجر الواحد منهم ما بين ثمانية الى عشرة آلاف فى الشهر، وبالتالي مصلحتهم فى استمرار البعثة، فهم مهاجرون خارج أوطانهم لجمع المال فى أدغال درافور، وليس حماية الامن والسلام الغائب.
بعثة اليوناميد لم يعد يرغب احد من اهل درافور والسودان فى استمرارها، يكفي موظفيها ما حصلوا عليه من مليارات الدولارات بإسم لنازحين واللاجئين الذين ينتظرون الامن والسلام للعودة الى ديارهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صناعة الزيوت في السودان.. التحديات والحلول

أطراف الصراع بجنوب السودان.. بين مطرقة التعنت.. وسندان الحرب

الحركات المسلحة في دارفور وفقدان البوصلة